الباحث القرآني
ولَمّا خَتَمَ في أوَّلِ السُّورَةِ الآياتِ الدّالَّةَ عَلى الوَحْدانِيَّةِ المُسْتَلْزِمَةِ لِلْبَعْثِ لِأنَّ بِهِ تَمامَ ظُهُورِ الحِكْمَةِ، وانْكِشافَ غِطاءِ القُلُوبِ عَنْ صِفاتِ العَظَمَةِ، بِأنَّ قِيامَ السَّماءِ والأرْضِ بِأمْرِهِ وأتْبَعَ ذَلِكَ ما اشْتَدَّ التِحامُهُ بِهِ، وخَتَمَهُ بِبَعْضِ الكافِرِينَ بَعْدَ ذِكْرِ يَوْمِ البَعْثِ، أتْبَعَهُ ذِكْرَ ما حَفِظَ بِهِ قِيامَ الوُجُودِ، وهو الرِّياحُ، يَجْعَلُها سَبَبًا في إدْرارِ النِّعَمِ الَّتِي مِنها ما هو أعْظَمُ أدِلَّةِ البَعْثِ وهو النَّباتُ، وهي بِجُمْلَتِها دَلِيلُ ذَلِكَ وسَبَبُ القَرارِ في البَرِّ والسَّيْرِ في البَحْرِ المُوصِلِ لِمَنافِعِ بَعْضِ البِلادِ إلى بَعْضٍ، وبِذَلِكَ انْتَظَمَ الأمْرُ لِأهْلِ الأرْضِ، فاسْتَعْمَلَ المُؤْمِنُ مِنهم ما رَزَقَهُ سُبْحانَهُ مِنَ العَقْلِ في النَّظَرِ في ذَلِكَ حَتّى أدّاهُ إلى شُكْرِهِ فَأحَبَّهُ، واقْتَصَرَ الكافِرُ عَلى الدَّأْبِ فِيما يَسْتَجْلِبُ بِهِ تِلْكَ النِّعَمَ ويَسْتَكْثِرُها، فَأبْطَرَهُ ذَلِكَ فَأوْصَلَهُ إلى كُفْرِهِ فَأبْغَضَهُ، والرِّياحُ أيْضًا أشْبَهُ شَيْءٍ (p-١١٣)بِالنّاسِ، مِنها النّافِعُ نَفْعًا كَبِيرًا، ومِنها الضّارُّ ضَرًّا كَثِيرًا، [فَقالَ]: ﴿ومِن آياتِهِ﴾ أيِ الدَّلالاتُ الواضِحَةُ الدّالَّةُ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ وتَمامِ عِلْمِهِ الدّالِّ عَلى أنَّهُ هو وحْدَهُ الَّذِي أقامَ هَذا الوُجُودَ، وكَما أنَّهُ أقامَهُ فَهو يُقِيمُ وُجُودًا آخَرَ هو زُبْدَةُ الأمْرِ، ومَحَطُّ الحِكْمَةِ، وهو أبْدَعُ مِن هَذا الوُجُودِ، يُبْعَثُ فِيهِ الخَلْقُ بَعْدَ فَنائِهِمْ، ويَتَجَلّى لِفَصْلِ القَضاءِ بَيْنَهُمْ، فَيَأْخُذُ بِالحَقِّ لِمَظْلُومِهِمْ مِن ظالِمِهِمْ، ثُمَّ يُصَدِّعُهم فَيَجْعَلُ فَرِيقًا [مِنهُمْ] في الجَنَّةِ دارِ الإعانَةِ والكَرامَةِ، وفَرِيقًا في السَّعِيرِ غارِ الإهانَةِ والمَلامَةِ ﴿أنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ﴾ عَلى سَبِيلِ التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ، وهي ما عَدا الدَّبُّورَ المُشارَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ إلى الِاسْتِعاذَةِ مِنها
«اللَّهُمَّ اجْعَلْها رِياحًا ولا تَجْعَلْها رِيحًا» وقَدْ تَقَدَّمَ مِن شَرْحِي لَها عِنْدَ ﴿ومَن يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا﴾ [النمل: ٦٣] في النَّمْلِ ما فِيهِ كِفايَةٌ، وفي جَمْعِها المُجْمَعِ عَلَيْهِ هُنا لِوَصْفِها بِالجَمْعِ إشارَةً إلى باهِرِ القُدْرَةِ، فَإنَّ تَحْوِيلَ الرِّيحِ الواحِدَةِ مِن جِهَةٍ إلى أُخْرى أمْرٌ عَظِيمٌ لا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ في الفَضاءِ الواسِعِ، وكَذا إسْكانُهُ، فَكَيْفَ إذا كانَتْ رِياحًا مُتَعاكِسَةً، فَفي إثارَتِها كَذَلِكَ ثُمَّ إسْكانِها مِن باهِرِ القُدْرَةِ [ما] لا يَعْلَمُهُ إلّا أُولُو البَصائِرِ ﴿مُبَشِّراتٍ﴾ أيْ لَكم بِكُلِّ ما فِيهِ نَفْعُكم مِنَ المَطَرِ والرَّوْحِ وبَرْدِ الأكْبادِ (p-١١٤)ولَذَّةِ العَيْشِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: لِيُهْلِكَ بِها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، أوْ لِيَدْفَعَ عَنْكم ما يَحْصُلُ بِفَقْدِها مِن نِقْمَتِهِ مِنَ الحَرِّ، وما يَتْبَعُهُ مِنِ انْتِشارِ المُفْسِداتِ، واضْمِحْلالِ المُصْلِحاتِ، وطَواهُ لِأنَّ السِّياقَ لِذِكْرِ النِّعَمِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُثْبِتًا اللّامَ إيضاحًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ: ﴿ولِيُذِيقَكُمْ﴾ وأشارَ إلى عَظَمَةِ نِعَمِهِ بِالتَّبْعِيضِ في قَوْلِهِ: ﴿مِن رَحْمَتِهِ﴾ [أيْ نِعَمِهِ] مِنَ المِياهِ العَذْبَةِ والأشْجارِ الرَّطْبَةِ، وصِحَّةِ الأبْدانِ، وخِصْبِ الزَّمانِ، وما يَتْبَعُ ذَلِكَ مِن أُمُورٍ لا يُحْصِيها إلّا خالِقُها، ولا يَتَصَوَّرُها حَقَّ تَصَوُّرِها إلّا مَن فَقَدَ الرِّياحَ، مِن وُجُودِ الرُّوحِ وزَكاءِ الأرْضِ وإزالَةِ العُفُونَةِ [مِنَ الهَواءِ] والإعانَةِ عَلى تَذْرِيَةِ الحُبُوبِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وأشارَ إلى عَظَمَةِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وإلى أنَّها صارَتْ لِكَثْرَةِ الإلْفِ مَغْفُولًا عَنْها بِإعادَةِ اللّامِ فَقالَ: ﴿ولِتَجْرِيَ الفُلْكُ﴾ أيِ السُّفُنُ في جَمِيعِ البِحارِ وما جَرى مَجْراها عِنْدَ هُبُوبِها.
ولَمّا أسْنَدَ الجَرْيَ إلى الفُلْكِ نَزَعَهُ مِنها بِقَوْلِهِ: ﴿بِأمْرِهِ﴾ أيْ بِما يُلائِمُ مِنَ الرِّياحِ اللَّيِّنَةِ، وإذا أرادَ أعَصْفَها فَأُغْرِقَتْ، أوْ جَعَلَها مُتَعاكِسَةً فَحُيِّرَتْ ورُدِّدَتْ، حَتّى يَحْتالَ المَلّاحُونَ بِكُلِّ حِيلَةٍ عَلى إيقافِ (p-١١٥)السُّفُنِ لِئَلّا تَتْلَفَ.
ولَمّا كانَ كُلٌّ مِن مُجَرَّدِ السَّيْرِ في البَحْرِ والتَّوَصُّلِ بِهِ مِن بَلَدٍ [إلى بَلَدٍ] نِعْمَةً في نَفْسِهِ، عَطَفَ عَلى ”لِتَجْرِيَ“ قَوْلَهُ، مُنَبِّهًا بِإعادَةِ اللّامِ إيضاحًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ [عَلى تَعْظِيمِ النِّعْمَةِ]: ﴿ولِتَبْتَغُوا﴾ أيْ تَطْلُبُوا طَلَبًا ماضِيًا بِذَلِكَ السَّيْرِ، وعِظَمِ ما عِنْدَهُ بِالتَّبْعِيضِ في قَوْلِهِ: ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ مِمّا يُسَخِّرُ لَكم مِنَ الرِّيحِ بِالسَّفَرِ لِلْمَتْجَرِ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ والجِهادِ وغَيْرِهِ ﴿ولَعَلَّكُمْ﴾ أيْ ولِتَكُونُوا إذا فَعَلَ بِكم ذَلِكَ عَلى رَجاءٍ [مِن] أنَّكم ﴿تَشْكُرُونَ﴾ ما أفاضَ عَلَيْكم سُبْحانَهُ مِن نِعَمِهِ، [ودَفَعَ عَنْكم مِن نِقَمِهِ].
{"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَن یُرۡسِلَ ٱلرِّیَاحَ مُبَشِّرَ ٰتࣲ وَلِیُذِیقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِیَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











