الباحث القرآني

ولَمّا فَرَغَ مِن بَيانِ تَصَدُّعِهِمْ، ذَكَرَ عِلَّتَهُ فَقالَ: ﴿لِيَجْزِيَ﴾ أيِ اللَّهُ سُبْحانَهُ الَّذِي أنْزَلَ هَذِهِ السُّورَةَ لِبَيانِ أنَّهُ يَنْصُرُ أوْلِياءَهُ لِإحْسانِهِمْ لِأنَّهُ مَعَ المُحْسِنِينَ، ولِذَلِكَ اقْتَصَرَ هُنا عَلى ذِكْرِهِمْ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ ولَوْ عَلى أدْنى الوُجُوهِ ﴿وعَمِلُوا﴾ أيْ تَصْدِيقًا لِإيمانِهِمْ ﴿الصّالِحاتِ﴾ ولَمّا كانَتِ الأعْمالُ نِعْمَةً مِنهُ، فَكانَ الجَزاءُ مَحْضَ إحْسانٍ، قالَ: ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ ولَمّا كانَ تَنْعِيمُهم مِن أعْظَمِ عَذابِ الكافِرِينَ الَّذِينَ كانُوا يَهْزَؤُونَ بِهِمْ ويَضْحَكُونَ مِنهُمْ، عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ لِدَعْوى مَن يَظُنُّ أنَّ إقْبالَ الدُّنْيا عَلى العُصاةِ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُمْ: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ﴾ أيْ لا يَفْعَلُ مَعَ العَرِيقِينَ في الكُفْرِ فِعْلَ المُحِبِّ، فَلا يُسَوِّيهِمْ بِالمُؤْمِنِينَ، وعُلِمَ مِن ذَلِكَ ما طَوى مِن جَزائِهِمْ، فالآيَةُ مِن وادِي الِاحْتِباكِ، وهو أنْ يُؤْتى بِكَلامَيْنِ يُحْذَفُ مِن كُلِّ مِنهُما شَيْءٌ ويَكُونُ نَظْمُهُما بِحَيْثُ يَدُلُّ ما أُثْبِتَ في كُلٍّ عَلى ما حُذِفَ مِنَ الآخَرِ، فالتَّقْدِيرُ هُنا بَعْدَ ما ذَكَرَ مِن جَزاءِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّهُ يُحِبُّ المُؤْمِنِينَ ويَجْزِي الَّذِينَ كَفَرُوا وعَمِلُوا (p-١١٢)السَّيِّئاتِ بِعَدْلِهِ لِأنَّهُ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ، فَغَيَّرَ النَّظْمَ لِيَدُلَّ مَعَ دَلالَتِهِ كَما تَرى عَلى ما حُذِفَ عَلى أنَّ إكْرامَ المُؤْمِنِينَ هو المَقْصُودُ بِالذّاتِ، وهو بِعَيْنِهِ إرْغامُ الكافِرِينَ، وعَبَّرَ في شَقِّ المُؤْمِنِينَ بِالمُنْتَهى الَّذِي هو المُرادُ مِن مَحَبَّةِ اللَّهِ لِأنَّهُ أسَرُّ. وفي جانِبِ الكافِرِينَ بِالمَبْدَأِ الَّذِي هو مَجازٌ لِأنَّهُ أنَكَأُ وأضَرُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب