الباحث القرآني

ولَمّا وضَّحَ بِهَذا أنَّهُ لا زِيادَةَ إلّا فِيما يَزِيدُهُ اللَّهُ، ولا خَيْرَ إلّا فِيما يَخْتارُهُ اللَّهُ، فَكانَ ذَلِكَ مُزَهِّدًا في زِيادَةِ الِاعْتِناءِ بِطَلَبِ الدُّنْيا، بَيَّنَ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ لا أوْضَحَ مِنهُ فَقالَ: ﴿اللَّهُ﴾ أيْ بِعَظِيمِ جَلالِهِ لا غَيْرِهِ ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ أيْ أوَجَدَكم عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّقْدِيرِ لا تَمْلِكُونَ شَيْئًا. ولَمّا كانَ الرِّزْقُ مُوَزَّعًا بَيْنَ النّاسِ بَلْ هو ضَيِّقٌ عَلى كَثْرَتِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنهُمْ، فَكانَ رِزْقُ مَن تَجَدَّدَ - لا سِيَّما إنْ كانَ ابْنًا لِفَقِيرٍ - مُسْتَبْعَدًا، أشارَ إلَيْهِ بِأداةِ البُعْدِ فَقالَ: ﴿ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ ولَمّا كانَتْ إماتَةُ المُتَمَكِّنِ مِن بَدَنِهِ وعَقْلِهِ وقُوَّتِهِ وأسْبابِ نُبْلِهِ عَجِيبَةً، نَبَّهَ عَلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ ولَمّا كانَ كُلُّ ذَلِكَ في الحَقِيقَةِ عَلَيْهِ هَيِّنًا، وكانَ الإحْياءُ بَعْدَ الإماتَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ أهْوَنَ مِنَ الإحْياءِ أوَّلَ مَرَّةٍ كانَ مِثْلَهُ وإنِ اسْتَبْعَدُوهُ قالَ: ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ ولَمّا اسْتَغْرَقَ بِما ذَكَرَ جَمِيعَ ذَواتِهِمْ وأحْوالِهِمْ، وكانَ الشَّرِيكُ (p-١٠٣)مَن قامَ بِشَيْءٍ مِنَ العَمَلِ أوِ المَعْمُولِ فِيهِ، وكانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لَيْسَ لِشُرَكائِهِمْ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ نَوْعُ صُنْعٍ، قالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: ﴿هَلْ مِن﴾ ولَمّا كانَ إشْراكُهم بِما أشْرَكُوا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ ثَمَرَةٌ إلّا في أنَّهم جَعَلُوا لَهم جُزْءًا مِن أمْوالِهِمْ، عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: ﴿شُرَكائِكُمْ﴾ أيِ الَّذِينَ تَزْعُمُونَهم شُرَكاءَ ﴿مَن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ﴾ مُشِيرًا إلى عُلُوِّ رُتْبَتِهِ بِأداةِ البُعْدِ وخِطابِ الكُلِّ. ولَمّا كانَ الِاسْتِفْهامُ الإنْكارِيُّ التَّوْبِيخِيُّ في مَعْنى النَّفْيِ، قالَ مُؤَكِّدًا لَهُ مُسْتَغْرِقًا لِكُلِّ ما يُمْكِنُ مِنهُ ولَوْ قَلَّ جِدًّا: ﴿مِن شَيْءٍ﴾ أيْ يَسْتَحِقُّ هَذا الوَصْفَ الَّذِي تُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ. ولَمّا لَزِمَهم قَطْعًا أنْ يَقُولُوا: لا وعَزَّتِكَ! ما لَهم ولا لِأحَدٍ مِنهم في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ مِن فِعْلٍ، أشارَ إلى عَظِيمِ ما ارْتَكَبُوهُ بِما أنْتَجَهُ هَذا الدَّلِيلُ، فَقالَ مُعْرِضًا عَنْهم زِيادَةً في التَّعْظِيمِ والعَظَمَةِ، مُنَزِّهًا لِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ مِنها عَلى التَّنْزِيهِ بِبُعْدِ رُتْبَتِهِ الشَّمّاءِ مِن حالِهِمْ: ﴿سُبْحانَهُ﴾ أيْ تَنَزَّهَ تَنَزُّهًا لا يُحِيطُ بِهِ الوَصْفُ [مِن أنْ يَكُونَ مُحْتاجًا إلى شَرِيكٍ، فَإنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ عَظِيمٌ. ولَمّا كانَ مَن أخْبَرَ بِأنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا أوْ يَفْعَلُهُ كالإماتَةِ والإحْياءِ بِالبَعْثِ وغَيْرِهِ لا يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ المُقاوِمُ مِن شَرِيكٍ ونَحْوِهِ، قالَ]: ﴿وتَعالى﴾ أيْ عُلُوًّا لا تَصِلُ إلَيْهِ العُقُولُ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ صِيغَةُ التَّفاعُلِ، وجَرَتْ قِراءَةُ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ بِالخِطابِ عَلى الأُسْلُوبِ الماضِي، وأذِنَتْ (p-١٠٤)قِراءَةُ الباقِينَ بِالغَيْبِ بِالإعْراضِ لِلْغَضَبِ في قَوْلِهِ مُعَبِّرًا بِالمُضارِعِ إشارَةً إلى أنَّ العاقِلَ مِن شَأْنِهِ أنَّهُ لا يَقَعُ مِنهُ شِرْكٌ أصْلًا، فَكَيْفَ إذا كانَ عَلى سَبِيلِ التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ: ﴿عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ في أنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِن ذَلِكَ أوْ يَقْدِرُوا بِنَوْعٍ مِن أنْواعِ القُدْرَةِ عَلى أنْ يَحُولُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيْءٍ مِمّا يُرِيدُ لِيَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ أنْ يُعَظَّمُوا نَوْعَ تَعْظِيمٍ، فَنَزَّهُوهُ وعَظَّمُوهُ بِالبَراءَةِ مِن كُلِّ مَعْبُودٍ سِواهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب