الباحث القرآني

ولَمّا أفْهَمُ ذَلِكَ عَدَمَ الِاكْتِراثِ بِالدُّنْيا لِأنَّ الِاكْتِراثَ بِها لا يَزِيدُها، والتَّهاوُنَ بِها لا يَنْقُصُها، فَصارَ ذَلِكَ لا يُفِيدُ إلّا تَعْجِيلَ النَّكَدِ بِالكَدِّ والنَّصَبِ، وكانَ مِمّا تَقَدَّمَ أنَّ السَّيِّئَةَ مِن أسْبابِ المَحْقِ، سَبَّبَ عَنْهُ الإقْبالَ عَلى إنْفاقِها في حُقُوقِها إعْراضًا عَنْها وإيذانًا بِإهانَتِها وإيقانًا بِأنَّ ذَلِكَ هو اسْتِيفاؤُها واسْتِثْمارُها واسْتِنْماؤُها، فَقالَ خاصًّا بِالخَطابِ أعْظَمَ المُتَأهِّلِينَ لِتَنْفِيذِ أوامِرِهِ لِأنَّ ذَلِكَ أوْقَعُ في نُفُوسِ الأتْباعِ، وأجْدَرُ بِحُسْنِ القَبُولِ مِنهم والسَّماعِ: ﴿فَآتِ﴾ يا خَيْرَ الخَلْقِ! ﴿ذا القُرْبى حَقَّهُ﴾ بادِئًا بِهِ لِأنَّهُ أحَقُّ النّاسِ بِالبَرِّ، [صِلَةً] لِلرَّحِمِ وجُودًا وكَرَمًا (p-٩٩)﴿والمِسْكِينَ﴾ سَواءٌ كانَ ذا القُرْبى أوْ لا ﴿وابْنَ السَّبِيلِ﴾ وهو المُسافِرُ كَذَلِكَ، والحَقُّ الَّذِي ذُكِرَ لَهُما الظّاهِرُ أنَّهُ يُرادُ بِهِ النَّفْلُ لا الواجِبُ، لِعَدَمِ ذِكْرِ بَقِيَّةِ الأصْنافِ، ودَخَلَ الفَقِيرُ مِن بابِ الأوْلى. ولَمّا أمَرَ بِالإيتاءِ، رَغَّبَ فِيهِ فَقالَ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ الإيتاءُ العالِي الرُّتْبَةِ ﴿خَيْرٌ﴾ ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ أغْنى الأغْنِياءِ فَهو لا يَقْبَلُ إلّا ما كانَ خالِصًا لِوَجْهِهِ لا رِياءَ فِيهِ، قالَ مُعَرِّفًا أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قاصِرًا عَلى مَن خُصَّ بِالخِطابِ بَلْ كُلُّ مَن تَأسّى بِهِ نالَتْهُ بَرَكَتُهُ ﴿لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ﴾ بِصِيغَةِ الجَمْعِ، ولَمّا كانَ الخُرُوجُ عَنِ المالِ في غايَةِ الصُّعُوبَةِ، رَغَّبَ فِيهِ بِذِكْرِ الوَجْهِ الَّذِي هو أشْرَفُ ما في الشَّيْءِ المُعَبَّرِ بِهِ هُنا عَنِ الذّاتِ و[بِتَكْرِيرِ] الِاسْمِ الأعْظَمِ المَأْلُوفِ لِجَمِيعِ الخَلْقِ [فَقالَ]: ﴿وجْهَ اللَّهِ﴾ أيْ عَظَمَةَ المَلِكِ الأعْلى، فَيَعْرِفُونَ مِن حَقِّهِ ما يَتَلاشى عِنْدَهم عَلى [كُلِّ] ما سِواهُ فَيُخْلِصُونَ لَهُ ﴿وأُولَئِكَ﴾ العالُو الرُّتْبَةِ لِغِناهم عَنْ كُلِّ فانٍ ﴿هُمُ﴾ خاصَّةً ﴿المُفْلِحُونَ﴾ [أيِ] الَّذِينَ لا يَشُوبُ فَلاحَهم شَيْءٌ مِنَ الخَيْبَةِ، وأمّا غَيْرُهم فَخائِبٌ، أمّا إذا لَمْ يُنْفِقْ فَواضِحٌ، وأمّا مَن أنْفَقَ عَلى وجْهِ الرِّياءِ بِالسُّمْعَةِ والرِّياءِ فَإنَّهُ خَسِرَ مالَهُ، وأبْقى عَلَيْهِ وبالَهُ، وأمّا مَن أنْفَقَ عَلى وجْهِ الرِّياءِ الحَقِيقِيِّ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ تَعْرِيفًا بِعَظِيمِ فُحْشِهِ (p-١٠٠)صارِفًا الخِطابَ عَنِ المَقامِ الشَّرِيفِ الَّذِي كانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، تَعْرِيفًا بِتَنَزُّهِ جَنابِهِ عَنْهُ، وبَعْدَ تِلْكَ الهِمَّةِ العَلِيَّةِ والسَّجايا الطّاهِرَةِ النَّقِيَّةِ مِنهُ، إلى جِهَةِ مَن يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنهم فَقالَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب