الباحث القرآني

ولَمّا حَصَلَ مِن هَذا القَطْعِ مِن كُلِّ عاقِلٍ أنَّ أكْثَرَ الخَلْقِ ضالٌّ، فَكانَ الحالُ جَدِيرًا بِالسُّؤالِ، عَنْ وجْهِ الخَلاصِ مِن هَذا الضَّلالِ، أُشِيرَ إلَيْهِ أنَّهُ لُزُومُ الِاجْتِماعِ، وبَيَّنَ ذَلِكَ في جُمْلَةٍ حالِيَّةٍ مِن فاعِلِ ”فَرِحُونَ“ فَقالَ تَعالى: ﴿وإذا﴾ وكانَ الأصْلُ: مَسَّهُمْ، ولَكِنَّهُ قِيلَ [لِأنَّهُ أنْسَبُ بِمَقْصُودِ السُّورَةِ مِن قَصْرِ ذَلِكَ عَلى الإنْسانِ كَما هي العادَةُ في أكْثَرِ السُّوَرِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِن أنْواعِ العالَمِ]: ﴿مَسَّ النّاسَ﴾ تَقْوِيَةً لِإرادَةِ العُمُومِ [إشارَةً إلى كُلِّ مَن فِيهِ أهْلِيَّةُ النَّوْسِ وهو التَّحَرُّكُ، مِنَ الحَيَواناتِ العُجْمِ والجَماداتِ لَوْ نَطَقَتْ ثُمَّ اضْطَرَبَتْ لَتَوَجَّهَتْ إلَيْهِ سُبْحانَهُ ولَمْ تَعْدِلْ عَنْهُ كَما أنَّها الآنَ كَذَلِكَ بِألْسِنَةِ أحْوالِها، فَهَذا هو الإجْماعُ الَّذِي لا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ نِزاعٌ] (p-٩٢)﴿ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ﴾ أيِ الَّذِي لَمْ يُشارِكْهُ في الإحْسانِ إلَيْهِمْ أحَدٌ [فِي جَمِيعِ مُدَّةِ مَسِّهِمْ بِذَلِكَ الضُّرِّ - بِما أشارَ إلَيْهِ الظَّرْفُ] - حالَ كَوْنِهِمْ ﴿مُنِيبِينَ﴾ أيْ راجِعِينَ مِن جَمِيعِ ضَلالاتِهِمُ الَّتِي فَرَّقَتْهم عَنْهُ ﴿إلَيْهِ﴾ [الروم: ٣١] عِلْمًا مِنهم بِأنَّهُ لا فَرَجَ لَهم عِنْدَ شَيْءٍ غَيْرِهِ، هَذا دَيْدَنُ الكُلِّ لا يَخْرِمُ عَنْهُ أحَدٌ مِنهم في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ، ولا في أزْمَةٍ مِنَ الأزَماتِ، قالَ الرّازِي في اللَّوامِعِ في أواخِرِ العَنْكَبُوتِ: وهَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ مَعْرِفَةَ الرَّبِّ في فِطْرَةِ كُلِّ إنْسانٍ، وأنَّهم إنْ غَفَلُوا في السَّرّاءِ فَلا شَكَّ أنَّهم يَلُوذُونَ إلَيْهِ في حالِ الضَّرّاءِ. ولَمّا كانَ كُلُّ واقِعٍ في شِدَّةٍ مُسْتَبْعِدًا كُلَّ اسْتِبْعادٍ الخَلاصَ مِنها قالَ: ﴿ثُمَّ﴾ بِأداةِ البُعْدِ ﴿إذا أذاقَهُمْ﴾ [مُسْنِدًا الرَّحْمَةَ إلَيْهِ تَعْظِيمًا لِلْأدَبِ وإنْ كانَ الكُلُّ مِنهُ]. ولَمّا كانَ السِّياقُ كُلُّهُ لِلتَّوْحِيدِ، فَكانَتِ العِنايَةُ بِاسْتِحْضارِ المَعْبُودِ بِاسْمِهِ وضَمِيرِهِ أتَمَّ قالَ: ﴿مِنهُ﴾ مُقَدِّمًا ضَمِيرَهُ دالًّا بِتَقْدِيمِ الجارِّ عَلى الِاخْتِصاصِ وأنَّ ذَلِكَ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وقالَ: ﴿رَحْمَةً﴾ أيْ خَلاصًا مِن ذَلِكَ الضُّرِّ، إشارَةً إلى أنَّهُ لَوْ أخَذَهم بِذُنُوبِهِمْ أهْلَكَهُمْ، فَلا سَبَبَ لِإنْعامِهِ سِوى كَرَمِهِ، ودَلَّ عَلى شِدَّةِ إسْراعِهِمْ في كُفْرانِ الإحْسانِ بِقَوْلِهِ مُعَبِّرًا بِأداةِ المُفاجَأةِ: ﴿إذا فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾ أيْ طائِفَةٌ هي أهْلٌ لِمُفارَقَةِ الحَقِّ ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْهِمْ دائِمًا، المُجَدِّدِ لَهم (p-٩٣)هَذا الإحْسانَ مِن هَذا الضُّرِّ ﴿يُشْرِكُونَ﴾ بَدَلَ ما لَزِمَهم مِن أنَّهم يَشْكُرُونَ فَعُلِمَ أنَّ الحَقَّ الَّذِي لا مَعْدِلَ عَنْهُ الإنابَةُ في كُلِّ حالٍ إلَيْهِ كَما أجْمَعُوا في وقْتِ الشَّدائِدِ عَلَيْهِ، وأنَّ غَيْرَهُ مِمّا فَرَّقَهم ضَلالٌ، لا يُعَدُّ لَهُ قُبالًا ولا ما يَعْدِلُهُ قُبالٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب