الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِنَ النّاسِ مَن مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِأنْ كانَ في هَذا المَيْدانِ، وسَمَتْ هِمَّتُهُ إلى مُسابَقَةِ الفُرْسانِ، فَلَمّا رَأى أنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، ولَمْ يُعَوِّلْ أصْلًا عَلَيْهِ، كادَتْ نَفْسُهُ تَطِيرُ، وكانَتْ عادَةُ القَوْمِ أنْ يُخاطِبُوا القَوْمَ لِمُخاطَبَةِ رَئِيسِهِمْ تَعْظِيمًا لَهُ وحَثًّا لَهم عَلى التَّحَلِّي بِما خَصَّ بِهِ، جُبِرَتْ قُلُوبُهم وشُرِحَتْ صُدُورُهم فَبُيِّنَتْ لَهم حالٌ مِن ضَمِيرِ ”أقِمْ“ أوْ مِنَ العامِلِ في ”فِطْرَتَ“ إعْلامًا بِأنَّهم مُرادُونَ بِالخِطابِ، مُشارٌ إلَيْهِمْ بِالصَّوابِ، فَقالَ: ﴿مُنِيبِينَ﴾ أيْ راجِعِينَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِمُجاذَبَةِ النَّفْسِ والفِطْرَةِ الأوْلى ﴿إلَيْهِ﴾ تَعالى بِالنُّزُوعِ عَمّا اكْتَسَبْتُمُوهُ مِن رَدِيءِ الأخْلاقِ إلى تِلْكَ الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ المُنْقادَةِ لِلدَّلِيلِ، المَيّالَةِ إلى سَواءِ السَّبِيلِ. ولَمّا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلى المَحَجَّةِ إلّا الأمْرُ بِلُزُومِها خَوْفًا مِنَ الزَّيْغِ عَنْها دَأْبَ المَرَّةِ الأُولى. قالَ عاطِفًا عَلى ﴿فَأقِمْ﴾ [الروم: ٣٠] ﴿واتَّقُوهُ﴾ أيْ خافُوا أنْ تَزِيغُوا عَنْ سَبِيلِهِ يُسْلِمْكم في أيْدِي أُولَئِكَ المُضِلِّينَ، فَإذا (p-٩٠)خِفْتُمُوهُ فَلَزِمْتُمُوها كُنْتُمْ مِمَّنْ تَخَلّى عَنِ الرَّذائِلِ ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ تَصِيرُوا مِمَّنْ تَحَلّى بِالفَضائِلِ - هَكَذا دَأْبُ الدِّينِ أبَدًا تَخْلِيَةٌ ثُمَّ تَحْلِيَةٌ: أوَّلُ الدُّخُولِ إلى الإسْلامِ التَّنْزِيهُ، وأوَّلُ الدُّخُولِ في القُرْآنِ الِاسْتِعاذَةُ، وهو أمْرٌ ظاهِرٌ مَعْقُولٌ، مِثالُهُ مَن أرادَ أنْ يَكْتُبَ في شَيْءٍ إنْ مَسَحَ ما فِيهِ مِنَ الكِتابَةِ انْتَفَعَ بِما كَتَبَ، وإلّا أفْسَدَ الأوَّلَ ولَمْ يَقْرَأِ الثّانِيَ. واللَّهُ المُوَفِّقُ. ولَمّا كانَ الشِّرْكُ مِنَ الشَّرِّ بِمَكانٍ لَيْسَ هو لِغَيْرِهِ، أكَّدَ النَّهْيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَكُونُوا﴾ أيْ كَوْنًا ما ﴿مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ أيْ لا تَكُونُوا مِمَّنْ يَدْخُلُ في عِدادِهِمْ بِمُوادَدَةٍ أوْ مُعاشَرَةٍ أوْ عَمَلٍ تُشابِهُونَهم فِيهِ فَإنَّهُ «مَن تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهو مِنهُمْ» وهو عامٌّ في كُلِّ شِرْكٍ سَواءٌ كانَ بِعِبادَةِ صَنَمٍ أوْ نارٍ أوَغَيْرِهِما، أوْ بِالتَّدَيُّنِ بِما يُخالِفُ النُّصُوصَ مِن أقْوالِ الأحْبارِ والرُّهْبانِ وغَيْرِ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب