الباحث القرآني

ولَمّا كانَ جَوابُهم قَطْعًا: لَيْسَ لَنا شُرَكاءُ بِهَذا الوَصْفِ، كانَ التَّقْدِيرُ، فَلَمْ تَتَّبِعُوا في الإشْراكِ بِاللَّهِ دَلِيلًا، فَنَسَقَ عَلَيْهِ: ﴿بَلِ﴾ وكانَ الأصْلُ: اتَّبَعْتُمْ، ولَكِنَّهُ أعْرَضَ عَنْهُمْ، إيذانًا بِتَناهِي الغَضَبِ لِلْعِنادِ بَعْدَ البَيانِ، وأظْهَرَ الوَصْفَ الحامِلَ لَهم عَلى ذَلِكَ [تَعْمِيمًا وتَعْلِيقًا لِلْحُكْمِ بِهِ] (p-٨٢)فَقالَ: ﴿اتَّبَعَ﴾ [أيْ بِتَكْلِيفِ أنْفُسِهِمْ خِلافَ الفِطْرَةِ الأُولى] ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أيْ وضَعُوا الشَّيْءَ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ فِعْلَ الماشِي في الظَّلامِ ﴿أهْواءَهُمْ﴾ وهو ما تَمِيلُ إلَيْهِ نُفُوسُهم. ولَمّا كانَ اتِّباعُ الهَوى قَدْ يُصادِفُ الدَّلِيلَ، وإذا لَمْ يُصادِفْ وكانَ مِن عالِمٍ رَدَّهُ عَنْهُ عِلْمُهُ قالَ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ إشارَةً إلى بُعْدِهِمْ في الضَّلالِ لِأنَّ الجاهِلَ يَهِيمُ عَلى وجْهِهِ بِلا مُرَجَّحٍ غَيْرَ المَيْلِ كالبَهِيمَةِ لا يَرُدُّهُ شَيْءٍ، وأمّا العالِمُ فَرُبَّما رَدَّهُ عِلْمُهُ. ولَمّا كانَ هَذا رُبَّما أوْقَعَ في بَعْضِ الأوْهامِ أنَّ هَذا يُغَيِّرُ إرادَتَهُ سُبْحانَهُ، دَلَّ بِفاءِ السَّبَبِ عَلى أنَّ التَّقْدِيرَ: وهَذا ضَلالٌ مِنهم بِإرادَةِ اللَّهِ، [فَلَمّا أساؤُوا بِإعْراقِهِمْ فِيهِ كانَتْ عاقِبَتُهُمُ السُّوءَ والخِذْلانَ، لِأنَّهم أبْعَدُوا أنْفُسَهم عَنْ أسْبابِ الهُدى]: ﴿فَمَن يَهْدِي﴾ أيْ بِغَيْرِ إرادَةِ اللَّهِ، ولَفَتَ الكَلامَ مِن مَظْهَرِ العَظَمَةِ إلى أعْظَمَ [مِنهُ] بِذِكْرِ الِاسْمِ الأعْظَمِ لِاقْتِضاءِ الحالِ لَهُ فَقالَ: ﴿مَن أضَلَّ اللَّهُ﴾ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ، ودَلَّ بِواوِ العَطْفِ عَلى أنَّ التَّقْدِيرَ: لَيْسَ أحَدٌ يَهْدِيهِمْ [لِأنَّهم أبْعَدُوا أنْفُسَهم عَنْ أسْبابِ الهُدى فَبَعَدُوا عَنْ أسْبابِ النَّصْرِ لِأنَّهم صارُوا عَلى جُرُفٍ هارٍ في كُلِّ أُمُورِهِمْ، فَلِذا حَسُنَ مَوْضِعُ تَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ]: ﴿وما لَهُمْ﴾ وأعْرَقَ في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿مِن ناصِرِينَ﴾ أيْ مِنَ الأصْنامِ ولا غَيْرِها يُخَلِّصُونَهم مِمّا هم فِيهِ مِنَ (p-٨٣)الخِذْلانِ وأسْرِ الشَّيْطانِ، ومِمّا يُسَبِّبُهُ مِنَ النِّيرانِ، ونَفى الجَمِيعَ دُونَ الواحِدِ لِأنَّ العَقْلَ ناصِرٌ لَهم بِما هو مُهَيَّأٌ لَهُ مِنَ الفَهْمِ واتِّباعِ دَلِيلِ السَّمْعِ لَوِ اسْتَعْمَلُوهُ، أوْ لِأنَّهُ ورَدَ جَوابًا لِنَحْوِ ”واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهم عزًا لَعَلَّهم يَنْصُرُونَ“ [أوْ لِلْإشارَةِ إلى أنْ تَتَبُّعَ الهَوى لا يَنْفَعُ في تَلافِي أمْرِهِ إلّا أعْوانٌ كَثِيرُونَ] ودَلَّ عَلى نَفْيِ الواحِدِ ﴿لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ﴾ [البقرة: ٤٨] الآيَةُ، ﴿وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] [و] ﴿فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ﴾ [الطارق: ١٠] في أمْثالِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب