الباحث القرآني

ولَمّا كانَ جَمِيعُ ما مَضى مِنَ الآياتِ المَرْئِيّاتِ ناشِئًا عَنْ هَذَيْنِ الخَلْقَيْنِ العَظِيمَيْنِ المُحِيطَيْنِ بِمَن أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآياتُ المَسْمُوعاتُ بَيانًا لِمَن أشْكَلَ عَلَيْهِ أمْرُ الآياتِ المَرْئِيّاتِ، ذَكَرَ أمْرًا جامِعًا لِلْكُلِّ وهو مِنَ الوُضُوحِ بِحَيْثُ لا يَحْتاجُ إلى أكْثَرَ مِنَ العَقْلِ المَخْتُومِ بِهِ ما قَبْلُ فَقالَ: ﴿ومِن آياتِهِ﴾ أيْ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ وكَمالِ الحِكْمَةِ. ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الثَّباتِ لا في التَّجَدُّدِ، أتى بِالحَرْفِ الدّالِّ عَلى المَصْرِفِ لِيَسْلَخَ الفِعْلَ عَنِ الِاسْتِقْبالِ، وعَبَّرَ بِالمُضارِعِ لِأنَّهُ لا بُدَّ مِن إخْراجِهِما عَنْ هَذا الوَضْعِ فَقالَ: ﴿أنْ تَقُومَ﴾ أيْ تَبْقى عَلى ما تُشاهِدُونَ مِنَ الأمْرِ العَظِيمِ بِلا عَمَدٍ ﴿السَّماءُ﴾ أفْرَدَ لِأنَّ السَّماءَ الأُولى (p-٧٥)لا تَقْبَلُ النِّزاعَ لِأنَّها مُشاهَدَةٌ مَعَ صَلاحِيَّةِ اللَّفْظِ لِلْكُلِّ لِأنَّهُ جِنْسٌ ﴿والأرْضُ﴾ عَلى ما لَهُما مِنَ الجَسامَةِ والثِّقَلِ المُقْتَضِي لِلْهُبُوطِ ﴿بِأمْرِهِ﴾ لا بِشَيْءٍ سِواهُ. ولَمّا لَمْ يَبْقَ في كَمالِ عِلْمِهِ وتَمامِ قُدْرَتِهِ شُبْهَةٌ، قالَ مُعَبِّرًا بِأداةِ التَّراخِي لِتَدُلَّ - مَعَ دَلالَتِها عَلى ما هي لَهُ - عَلى العَظَمَةِ، فَقالَ دالًّا عَلى أنَّ قُدْرَتَهُ عَلى الأشْياءِ كُلِّها مَعَ تَباعُدِها عَلى حَدٍّ سَواءٍ، وأنَّهُ لا فَرْقَ عِنْدَهُ في شُمُولِ أمْرِهِ بَيْنَ قِيامِ الأحْياءِ وقِيامِ الأرْضِ والسَّماءِ ﴿ثُمَّ إذا دَعاكُمْ﴾ وأشارَ إلى هَوانِ ذَلِكَ الأمْرِ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ﴾ عَلى بُعْدِ ما بَيْنَها وبَيْنَ السَّماءِ فَضْلًا عَنِ العَرْشِ، وأكَّدَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ مِثْلَ لَمْحِ البَصَرِ أوْ هو أقْرَبُ فَقالَ مُعَبِّرًا بِأداةِ الفُجاءَةِ: ﴿إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ أيْ يَتَجَدَّدُ لَكم هَذا الوَصْفُ بَعْدَ اضْمِحْلالِكم بِالمَوْتِ والبِلى، ويَتَكَرَّرُ بِاعْتِبارِ آحادِكم مِن غَيْرِ تَلَبُّثٍ ولا مُهْلَةٍ أصْلًا، إلّا أنْ يَتَرَتَّبَ عَلى الأفْضَلِ فالأفْضَلِ لِقَوْلِهِ ﷺ: «أنا أوَّلُ مَن تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ”كَما دَعاكم مِنها أوَّلًا إذا خَلَقَكم مِن تُرابٍ ثُمَّ إذا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، وأعْرى هَذِهِ مِمّا خَتَمَ بِهِ الآياتِ السّالِفَةَ تَنْبِيهًا عَلى أنَّها مِثْلُ الأوْلى قَدِ انْتَهَتْ في الظُّهُورِ، ولا سِيَّما بِانْضِمامِها إلى الأُولى الَّتِي هي أعْظَمُ دالٍّ عَلَيْها إلى حَدٍّ هو أضْوَأُ مِنَ النُّورِ، كَما تَأْتِي الإشارَةُ إلَيْهِ في آيَةِ“وهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب