ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: هَذا مِن آياتِ اللَّهِ [الَّتِي] تُشاهِدُونَها كُلَّ حِينٍ دَلالَةً عَلى بَعْثِكُمْ، عَطَفَ عَلَيْهِ التَّذْكِيرَ بِما هو أصْعَبُ مِنهُ في مَجارِي العاداتِ فَقالَ: ﴿ومِن آياتِهِ﴾ أيْ عَلى قُدْرَتِهِ عَلى بَعْثِكم. ولَمّا كانَ المُرادُ إثْباتَ قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ عَلى بَعْثِهِمْ بَعْدَ أنْ صارُوا تُرابًا [بِإيجادِهِ لِأصْلِهِمْ مِن تُرابٍ] يَزِيدُ عَلى البَعْثِ في الإعْجابِ بِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أصْلٌ في الحَياةِ، وكانَ فِعْلُهُ لِذَلِكَ إنَّما مَكانٌ مَرَّةً واحِدَةً، قالَ مُعَبِّرًا بِالماضِي: ﴿أنْ خَلَقَكُمْ﴾ بِخَلْقِ أبِيكم آدَمَ ﴿مِن تُرابٍ﴾ لَمْ يَكُنْ لَهُ أصْلُ اتِّصافٍ ما بِحَياةٍ.
ولَمّا كانَ ابْتِداءُ الإنْسانِ مِنَ التُّرابِ في غايَةِ العَجَبِ، أشارَ إلى ذَلِكَ بِأداةِ البُعْدِ فَقالَ: ﴿ثُمَّ﴾ أيْ بَعْدِ إخْراجِكم مِنهُ ﴿إذا أنْتُمْ بَشَرٌ﴾ أيْ فاجَأْتُمْ كَوْنَكم لَكم بُشْرَةً هي في غايَةِ التَّماسُكِ والِاتِّصالِ مَعَ اللِّينِ (p-٦٦)عَكْسَ ما كانَ لَكم مِنَ الوَصْفِ إذا كُنْتُمْ تُرابًا، وأسْنَدَ الِانْتِشارَ إلى المُبْتَدَأِ المُخاطَبِ [لا] إلى الخَبَرِ لِأنَّ الخِطابَ أدَلُّ عَلى المُرادِ فَقالَ: ﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ أيْ تَبْلُغُونَ بِالنَّشْرِ كُلَّ مَبْلَغٍ بِالِانْتِقالِ مِن مَكانٍ إلى مَكانٍ مَعَ العَقْلِ والنُّطْقِ، ولَمْ يَخْتِمْ هَذِهِ الآيَةَ بِما خَتَمَ بِهِ ما بَعْدَها دَلالَةً عَلى أنَّها جامِعَةٌ لِجَمِيعِ الآياتِ، ودَلالَةً عَلى جَمِيعِ الكَمالاتِ، وخَتَمَ ما بَعْدَها بِذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ النّاسَ أهْمَلُوا النَّظَرَ فِيها عَلى وُضُوحِها، وكانَ مِن حَقِّهِمْ أنْ يَجْعَلُوها نُصْبَ أعْيُنِهِمْ، دَلالَةً عَلى كُلِّ ما نَزَلَتْ بِهِ الكُتُبُ، وأخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وكَذَلِكَ أكَّدَ في الإخْبارِ إعْلامًا بِأنَّهم صارُوا لِإهْمالِها في حَيِّزِ الإنْكارِ.
{"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ إِذَاۤ أَنتُم بَشَرࣱ تَنتَشِرُونَ"}