الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ دَلالَةً عَلى البَعْثِ المُسْتَلْزِمِ لِلْوَحْدانِيَّةِ مُطْلَقَ التَّحْوِيلِ الَّذِي هو إحْياءٌ في المَعْنى بَعْدَ إماتَةٍ، أتْبَعَهُ الإحْياءَ والإماتَةَ حَقِيقَةً، صاعِدًا مِن ذِكْرِ البَعْثِ تَصْرِيحًا بِما كانَ ألْقاهُ تَلْوِيحًا فَقالَ: ﴿يُخْرِجُ الحَيَّ﴾ كالإنْسانِ والطّائِرِ ﴿مِنَ المَيِّتِ﴾ كالنُّطْفَةِ والبَيْضَةِ ﴿ويُخْرِجُ المَيِّتَ﴾ كالبَيْضَةِ والنُّطْفَةِ ﴿مِنَ الحَيِّ﴾ عَكْسَ ذَلِكَ ﴿ويُحْيِي الأرْضَ﴾ بِاخْضِرارِ النَّباتِ. ولَمّا كانَ مِنَ الأراضِي ما لا يَنْبُتُ إلّا بَعْدَ مُدَّةِ إنْزالِ المَطَرِ، ومِنها ما يَنْبُتُ مِن حِينِ إنْزالِ المَطَرِ عَقِبَ تَحَطُّمِ ما كانَ بِها مِنَ النَّباتِ سَواءً، أسَقَطَ الجارَّ هُنا تَنْبِيهًا عَلى الأمْرِ الثّانِي لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى القُدْرَةِ، فَهو أنْسَبُ لِهَذا السِّياقِ ولِمَقْصُودِ السُّورَةِ، ولِأنَّهُ جَعَلَ فِيهِ قُوَّةَ إحْيائِها عَلى الدَّوامِ فَقالَ: ﴿بَعْدَ مَوْتِها﴾ بِيُبْسِهِ وتَهَشُّمِهِ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: كَذَلِكَ يَفْعَلُ عَلى سَبِيلِ التَّكَرُّرِ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (p-٦٤)﴿وكَذَلِكَ﴾ أيْ ومِثْلَ فِعْلِهِ هَذا الفِعْلَ البَدِيعَ مِن إخْراجِهِ لِهَذا الحَيِّ حِسًّا ومَعْنًى مِنَ المَيِّتِ ﴿تُخْرَجُونَ﴾ بِأيْسَرِ أمْرٍ مِنَ الأرْضِ بَعْدَ تَفَرُّقِ أجْسامِكم فِيها مِنَ التُّرابِ الَّذِي كانَ حَيًّا بِحَياتِكم - هَذا عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ البِناءُ لِلْمَفْعُولِ. وبَناهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وابْنُ ذَكْوانَ بِخِلافٍ عَنْهُ لِلْفاعِلِ إشارَةً إلى أنَّهم لِقُوَّةِ تَهَيُّئِهِمْ لِقَبُولِ البَعْثِ صارُوا كَأنَّهم يَخْرُجُونَ بِأنْفُسِهِمْ - رَوى عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الإمامِ أحْمَدَ في زِياداتِ المُسْنَدِ «عَنْ لَقِيطِ بْنِ عامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ خَرَجَ وافِدًا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومَعَهُ صاحِبٌ لَهُ يُقالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ عاصِمِ بْنِ مالِكِ بْنِ المُنْتَفِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: فَخَرَجْتُ أنا وصاحِبِي حَتّى قَدِمْنا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِانْسِلاخِ رَجَبٍ، فَأتَيْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ انْصَرَفَ مِن صَلاةِ الغَداةِ فَقامَ في الغَداةِ خَطِيبًا إلى أنْ قالَ: ”[ألا] اسْمَعُوا تَعِيشُوا ألا اجْلِسُوا ألا اجْلِسُوا، [قالَ]: فَجَلَسَ النّاسُ فَقُمْتُ أنا وصاحِبِي [حَتّى] إذا فَرَغَ لَنا فُؤادُهُ وبَصَرُهُ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! ما عِنْدَكَ مِن عِلْمِ الغَيْبِ، فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ وهَزَّ رَأْسَهُ فَقالَ: ضَنَّ رَبُّكَ بِمَفاتِيحِ الخَمْسِ مِنَ الغَيْبِ فَذَكَرَهُ حَتّى ذَكَرَ البَعْثَ قالَ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَجْمَعُنا بَعْدَ ما تُفَرِّقُنا الرِّياحُ (p-٦٥)والبِلى والسِّباعُ؟ قالَ: أُنْبِئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ في آلاءِ اللَّهِ، الأرْضُ أشْرَفْتَ عَلَيْها وهي مُدِرَّةٌ بالِيَةٌ فَقُلْتُ: لا تَحْيا أبَدًا، ثُمَّ أرْسَلَ رَبُّكَ عَزَّ وجَلَّ عَلَيْها السَّماءَ فَلَمْ تَلْبَثْ عَلَيْكَ إلّا أيّامًا حَتّى أشْرَقْتَ [عَلَيْها] وهي شُرْفَةٌ واحِدَةٌ، ولَعَمْرُ إلَهِكَ لَهو أقْدَرُ عَلى أنْ يَجْمَعَكم مِنَ الماءِ كَما أنَّهُ يَجْمَعُ نَباتَ الأرْضِ فَتَخْرُجُونَ“».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب