الباحث القرآني

ولَمّا كانَ السّاكِتُ رُبَّما أغْناهُ عَنِ الكَلامِ غَيْرُهُ، نَفى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُحَقِّقًا لَهُ بِجَعْلِهِ ماضِيًا: ﴿ولَمْ يَكُنْ﴾ ولَمّا كانَ المَقامُ لِتَحْقِيرِهِمْ بِتَحْقِيرِ شُرَكائِهِمْ رَتَّبَ نَفْيَ النَّفْعِ المُوجِعِ لَهم هَذا التَّرْتِيبَ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِتَرْتِيبِهِ مَعَ ذَلِكَ التَّخْصِيصُ فَيُقالُ: ﴿لَهُمْ﴾ أيْ خاصَّةُ في ذَلِكَ الوَقْتِ ولا بَعْدَهُ، ولا كانَ في عِدادِ ذَلِكَ مِن قَبْلُ لَوْ كانُوا يَعْقِلُونَ، وأمّا غَيْرُهم مِمَّنْ يَصِحُّ وصْفُهُ بِالإجْرامِ لِكَوْنِهِ مِن أهْلِ الشِّرْكِ الخَفِيِّ فَقَدْ يَشْفَعُ فِيهِ مَن رَبّاهُ مِنَ الشُّهَداءِ والعُلَماءِ وعامَّةِ المُؤْمِنِينَ ﴿مِن شُرَكائِهِمْ﴾ الَّذِينَ زَعَمُوهم خاصَّةً لِيَتَبَيَّنَ لَهم خَلْطُهم وجَهْلُهُمُ المُفْرِطُ في قَوْلِهِمْ: ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] (p-٥٦)وأمّا غَيْرُهم فَيَقَعُ مِنهم ما يُسَمّى شَفاعَةً تارَةً تَصْرِيحًا وأُخْرى تَلْوِيحًا كالشَّفاعَةِ العامَّةِ مِن نَبِيِّنا ﷺ في الخَلْقِ عامَّةً لِفَصْلِ القَضاءِ، وقَوْلُهُ ﷺ في ناسٍ بِأعْيانِهِمْ: «أصْحابِي إلَيَّ إلَيَّ، فَيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَيَقُولُ: فَسُحْقًا سُحْقًا» [و] قَوْلُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿ومَن عَصانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] ﴿شُفَعاءُ﴾ يُنْقِذُونَهم مِمّا هم فِيهِ وما يَسْتَقْبِلُونَهُ وإتْيانُهُ بِصِيغَةِ جَمْعِ الكَثْرَةِ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لا مَفْهُومَ لَهُ، لِأنَّ مَوْرِدَهُ رَدُّ اعْتِقادِهِمْ في قَوْلِهِمُ السّالِفِ، ويُمْكِنُ أنْ يُفْهَمَ أنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِن بَعْضِ مَن عَبَدُوهُ شَفاعَةٌ، أوْ تَلْوِيحٌ بِها كَقَوْلِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿وإنْ تَغْفِرْ لَهم فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨] ولَمّا ذَكَرَ حالَ الشُّفَعاءِ مَعَهُمْ، ذَكَرَ حالَهم مَعَ الشُّفَعاءِ فَقالَ: ﴿وكانُوا﴾ أيْ كَوْنًا هو في غايَةِ الرُّسُوخِ ﴿بِشُرَكائِهِمْ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿كافِرِينَ﴾ أيْ مُتَبَرِّئِينَ مِنهم ساتِرِينَ لِأنْ يَكُونُوا اعْتَقَدُوهم آلِهَةً وعَبَدُوهم جَرْيًا عَلى عادَتِهِمْ فِيما لا يُغْنِيهِمْ مِنَ العِنادِ والبُهْتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب