الباحث القرآني

ولَمّا كانَ انْتِكاسُهم بَعْدَ هَذِهِ الأسْبابِ المُسْعِدَةِ بَعِيدًا، أشارَ إلَيْهِ بِأداةِ التَّراخِي، أوْ هي إشارَةٌ إلى تَطاوُلِ دُعاءِ الرُّسُلِ لَهم واحْتِمالِهِمْ إيّاهم فَقالَ: ﴿ثُمَّ كانَ﴾ أيْ كَوْنًا تَعَذَّرَ الِانْفِكاكُ عَنْهُ، وهو في غايَةِ الهَوْلِ كَما أشارَ إلَيْهِ تَذْكِيرُ الفِعْلِ ﴿عاقِبَةَ﴾ أيْ آخِرُ أمْرِ ﴿الَّذِينَ أساءُوا﴾ أظْهَرَ مَوْضِعَ الإضْمارِ تَعْمِيمًا ودَلالَةً عَلى السَّبَبِ ﴿السُّوأى﴾ أيِ الحالَةُ الَّتِي هي أسْوَأُ ما يَكُونُ، وهي خَسارَةُ الأنْفُسِ بِالدَّمارِ في الدُّنْيا والخُلُودِ في العَذابِ في الأُخْرى، جَزاءً لَهم بِجِنْسِ عَمَلِهِمْ، فَإنَّهم كَما أساؤُوا الرُّسُلَ ساءَهُمُ المَلِكُ؛ ثُمَّ ذَكَرَ العِلَّةَ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ كَذَّبُوا﴾ أيْ لِأجْلِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، مُسْتَهِينِينَ ﴿بِآياتِ اللَّهِ﴾ أيِ الدَّلالاتِ المَنسُوبَةِ إلى المَلِكِ الأعْلى الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ الدّالَّةُ عَلَيْهِ عَلى عِظَمِها بِعِظَمِهِ ﴿وكانُوا﴾ أيْ كَوْنًا كَأنَّهُ جِبِلَّةٌ لَهم ﴿بِها﴾ مَعَ كَوْنِها أبْعَدَ شَيْءٍ عَنِ الهُزْءِ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أيْ يَسْتَمِرُّونَ عَلى ذَلِكَ بِتَجْدِيدِهِ في كُلِّ حِينٍ مَعَ تَعْظِيمِهِ حَتّى كانَ اسْتِهْزاؤُهم بِغَيْرِها كَأنَّهُ عَدَمٌ، كَما أنَّكم أنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِما وقَعَ مِنَ الوَعْدِ في أمْرِ الرُّومِ وتَسْتَهْزِئُونَ بِهِ فاحْذَرُوا أنْ يَحِلَّ بِكم ما حَلَّ بِالأوَّلِينَ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ فَيُعَذِّبُكُمُ العَذابَ الأكْبَرَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا بَدَلًا مِن ”السُّوأى“ أوْ بَيانًا لَها بِمَعْنى أنَّهم لَمّا أساؤُوا زادَتْهم (p-٥٤)إساءَتُهم عَماوَةُ حَتّى ارْتَكَسُوا في العَمى فَوَصَلُوا إلى التَّكْذِيبِ والِاسْتِهْزاءِ الَّذِي هو أقْبَحُ الحالاتِ، عَكْسَ ما يُجازِي بِهِ المُؤْمِنُ مِن أنَّهُ يَزْدادُ بِإيمانِهِ هُدًى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب