الباحث القرآني

ولَمّا رَغَّبَ في التَّوْبَةِ رَهَّبَ مِنَ التَّوانِي عَنْها فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ بِاللَّهِ وأوامِرِهِ، وأسْقَطَ الجارَّ لِما مَضى مِن قَوْلِهِ ﴿بَعْدَ إيمانِهِمْ﴾ بِذَلِكَ. ولَمّا كانَ الكُفْرُ لِفَظاعَتِهِ وقُبْحِهِ وشَناعَتِهِ جَدِيرًا بِالنَّفْرَةِ عَنْهُ والبُعْدِ مِنهُ نَبَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى ذَلِكَ بِاسْتِبْعادِ إيقاعِهِ، فَكَيْفَ بِالتَّمادِي عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِالِازْدِيادِ مِنهُ! وعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأداةِ التَّراخِي فَقالَ: ﴿ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا﴾ أيْ بِأنْ تَمادَوْا عَلى ذَلِكَ ولَمْ يُبادِرُوا (p-٤٧٩)بِالتَّوْبَةِ ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ أيْ إنْ تابُوا، لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى يَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يَتُوبُونَ تَوْبَةً نَصُوحًا يَدُومُونَ عَلَيْها ويُصْلِحُونَ ما فَسَدَ، أوْ لَنْ تُوجَدَ مِنهم تَوْبَةٌ حَتّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْها القَبُولُ لِأنَّهم زادُوا عَنْ أهْلِ القِسْمِ الأوَّلِ بِالتَّمادِي، ولَمْ يَأْتِ بِالفاءِ الدّالَّةِ عَلى أنَّهُ مُسَبَّبٌ عَمّا قَبْلَهُ إعْلامًا بِأنَّ ذَلِكَ إنَّما هو لِأنَّهم مَطْبُوعٌ عَلى قُلُوبِهِمْ، مُهَيَّؤُونَ لِلْكُفْرِ مِن أصْلِ الجِبِلَّةِ، فَلا يَتُوبُونَ أبَدًا تَوْبَةً صَحِيحَةً، فالعِلَّةُ الحَقِيقِيَّةُ الطَّبْعُ لا الذَّنْبُ، وهَذا شامِلٌ لِمَن تابَ عَنْ شَيْءٍ وقَعَ مِنهُ كَأبِي عَزَّةَ الجُمَحِيِّ، ولِمَن لَمْ يَتُبْ كَحُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ ﴿وأُولَئِكَ هُمُ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿الضّالُّونَ﴾ أيِ الغَرِيقُونَ في الضَّلالِ وإلَيْهِ أشارَ ﴿ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا﴾ [الأنفال: ٢٣] لِوُقُوعِهِمْ في أبْعَدِ شِعابِهِ وأضْيَقِ نِقابِهِ، فَأنّى لَهم بِالرُّجُوعِ مِنهُ والتَّفَصِّي عَنْهُ!
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب