الباحث القرآني

ولَمّا عُلِمَ بِذَلِكَ أنَّ الرّاسِخِينَ أيْقَنُوا أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ المُسْتَلْزِمِ لِأنَّهُ لا عِوَجَ فِيهِ أخْبَرَ أنَّهم أقْبَلُوا عَلى التَّضَرُّعِ إلَيْهِ في أنْ يُثَبِّتَهم بَعْدَ هِدايَتِهِ ثُمَّ أنْ يَرْحَمَهم بِبَيانِ ما أشْكَلَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ حاكِيًا عَنْهم وهو في الحَقِيقَةِ تَلْقِينٌ مِنهُ لَهم لُطْفًا بِهِمْ مُقَدِّمًا ما يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ مِنَ السُّؤالِ في تَطْهِيرِ القَلْبِ عَمّا لا يَنْبَغِي عَلى طَلَبِ تَنْوِيرِهِ بِما يَنْبَغِي لِأنَّ إزالَةَ المانِعِ قَبْلَ إيجادِ المُقْتَضِي عَيْنُ الحِكْمَةِ: ﴿رَبَّنا﴾ أيِ المُحْسِنَ إلَيْنا (p-٢٥٠)﴿لا تُزِغْ قُلُوبَنا﴾ أيْ عَنِ الحَقِّ. ولَمّا كانَ صَلاحُ القَلْبِ [صَلاحَ الجُمْلَةِ] و[فَسادُهُ] فَسادَها وكانَ ثَباتُ الإنْسانِ عَلى سُنَنِ الِاسْتِقامَةِ مِن غَيْرِ عِوَجٍ أصْلًا مِمّا لَمْ يُجْرِ بِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عادَتَهُ لِغَيْرِ المَعْصُومِينَ قالَ نازِعًا الجارَّ مُسْنِدًا الفِعْلَ إلى ضَمِيرِ الجُمْلَةِ: ﴿بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا﴾ إلَيْهِ. وقالَ الحَرالِّيُّ: فَفي إلاحَةِ مَعْناهُ أنَّ هَذا الِابْتِهالَ واقِعٌ مِن أُولِي الألْبابِ لِيَتَرَقَّوْا مِن مَحَلِّهِمْ مِنَ التَّذَكُّرِ إلى ما هو أعْلى وأبْطَنُ انْتَهى. فَلِذَلِكَ قالُوا: ﴿وهَبْ لَنا مِن لَدُنْكَ﴾ أيْ أمْرِكَ الخاصِّ بِحَضْرَتِكَ القُدْسِيَّةِ، الباطِنِ عَنْ غَيْرِ خَواصِّكَ ﴿رَحْمَةً﴾ أيْ فَضْلًا ومِنحَةً مِنكَ ابْتِداءً مِن غَيْرِ سَبَبٍ مِنّا، ونَكَّرَها تَعْظِيمًا بِأنَّ أيْسَرَ شَيْءٍ مِنها يَكْفِي المَوْهُوبَ. ولَمّا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ أصْلًا فَكانَ كُلُّ عَطاءٍ مِن فَضْلِهِ قالُوا وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا كانَ الأمْرُ اللَّدُنِيُّ لَيْسَ مِمّا في فِطَرِ الخَلْقِ وجِبِلّاتِهِمْ وإقامَةِ حِكْمَتِهِمْ، وإنَّما هو مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى بِحَسَبِ العِنايَةِ خَتَمَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ﴾ وهي صِيغَةُ مُبالَغَةٍ مِنَ (p-٢٥١)الوَهْبِ والهِبَةِ، وهي العَطِيَّةُ سَماحًا مِن غَيْرِ قَصْدٍ مِنَ المَوْهُوبِ انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب