الباحث القرآني

ولَمّا أتاهم سُبْحانَهُ وتَعالى مِن أمْرِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالفَصْلِ في البَيانِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ إلّا العِنادُ، فَبَيَّنَ أوَّلًا ما تَفَضَّلَ (p-٤٤٢)فِيهِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن أطْوارِ الخَلْقِ المُوجِبَةِ لِلْحاجَةِ المُنافِيَةِ لِلْإلَهِيَّةِ، ثُمَّ فَضَحَ بِتَمْثِيلِهِ بِآدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ شُبْهَتَهُمْ، ألْزَمَهم عَلى تَقْدِيرِهِ بِالفَيْصَلِ الأعْظَمِ لِلْمُعانِدِ المُوجِبِ لِلْعَذابِ المُسْتَأْصِلِ أهْلَ الفَسادِ فَقالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿فَمَن﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَمّا آتَيْناكَ بِهِ مِنَ الحَقِّ في أمْرِهِ أنّا نَقُولُ لَكَ: مَن ﴿حاجَّكَ فِيهِ﴾ أيْ خاصَمَكَ بِإيرادِ حُجَّةٍ، أيْ كَلامٍ يَجْعَلُهُ في عِدادِ ما يَقْصِدُ. ولَمّا كانَ المَلُومُ إنَّما هو مَن بَلَغَتْهُ هَذِهِ الآياتُ وعَرَفَ مَعْناها دُونَ مَن حاجَّ في الزَّمانِ الَّذِي هو بَعْدَ نُزُولِها دُونَ اطِّلاعِهِ عَلَيْها قالَ: ﴿مِن﴾ أيْ مُبْتَدِئًا المُحاجَّةَ مِن، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الإتْيانُ بِمِن لِئَلّا يُفْهَمَ أنَّ المُباهَلَةَ تَخْتَصُّ بِمَنِ اسْتَغْرَقَ زَمانَ البُعْدِ بِالمُجادَلَةِ ﴿بَعْدَما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ﴾ [الرعد: ٣٧] أيِ الَّذِي أنْزَلْناهُ إلَيْكَ وقَصَصْناهُ عَلَيْكَ في أمْرِهِ ﴿فَقُلْ تَعالَوْا﴾ أيْ أقْبِلُوا أيُّها المُجادِلُونَ إلى أمْرٍ نَعْرِفُ فِيهِ عُلُوَّ المُحِقِّ وسُفُولَ المُبْطِلِ ﴿نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ﴾ أيِ الَّذِينَ هم أعَزُّ ما عِنْدَ الإنْسانِ لِكَوْنِهِمْ بَعْضَهُ ﴿ونِساءَنا ونِساءَكُمْ﴾ أيِ اللّاتِي هُنَّ أُولى ما يُدافِعُ عَنْهُ (p-٤٤٣)أُولُو الهِمَمِ العَوالِي ﴿وأنْفُسَنا وأنْفُسَكُمْ﴾ فَقَدَّمَ ما يُدافِعُ عَنْهُ ذَوُو الأحْسابِ ويَفْدُونَهُ بِنُفُوسِهِمْ، وقَدَّمَ مِنهُ الأعَزَّ الألْصَقَ بِالأكْبادِ وخَتَمَ بِالمُدافِعِ، وهَذا التَّرْتِيبُ عَلى سَبِيلِ التَّرَقِّي إذا اعْتَبَرْتَ أنَّهُ قَدَّمَ الفَرْعَ ثُمَّ الأصْلَ وبَدَأ بِالأدْنى وخَتَمَ بِالأعْلى، وفائِدَةُ الجَمْعِ الإشارَةُ إلى القَطْعِ بِالوُثُوقِ بِالكَوْنِ عَلى الحَقِّ. ثُمَّ ذَكَرَ ما لَهُ هَذا الجَمْعُ مُشِيرًا بِحَرْفِ التَّراخِي إلى خَطَرِ الأمْرِ وأنَّهُ مِمّا يَنْبَغِي الِاهْتِمامُ بِهِ والتَّرَوِّي لَهُ وإمْعانُ النَّظَرِ فِيهِ لِوَخامَةِ العاقِبَةِ وسُوءِ المُنْقَلَبِ لِلْكاذِبِ فَقالَ: ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ أيْ نَتَضَرَّعْ - قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما كَما نَقَلَهُ الإمامُ أبُو حَيّانَ في نَهْرِهِ. وقالَ الحَرالِّيُّ: الِابْتِهالُ طَلَبُ البَهْلِ، والبَهْلُ أصْلُ مَعْناهُ التَّخَلِّي والضَّراعَةُ في مُهِمٍّ مَقْصُودٍ. انْتَهى. ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها فَهو يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ، أيْ إبْعادَهُ وطَرْدَهُ ﴿عَلى الكاذِبِينَ﴾ وقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ ما تَقَدَّمَ مِن كَلامِهِ: ثُمَّ لَمّا أُتْبِعَتْ قِصَّةُ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - يَعْنِي في البَقَرَةِ - بِذِكْرِ بَنِي إسْرائِيلَ لِوُقُوفِهِمْ مِن تِلْكَ القِصَصِ عَلى ما (p-٤٤٤)لَمْ تَكُنِ العَرَبُ تَعْرِفُهُ، وأُنْذِرُوا وحُذِّرُوا؛ أُتْبِعَتْ قِصَّةُ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - يَعْنِي هُنا - بِذِكْرِ الحَوارِيِّينَ وأمْرِ النَّصارى إلى آيَةِ المُباهَلَةِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب