الباحث القرآني
ولَمّا قَرَّرَ سُبْحانَهُ وتَعالى شُمُولَ عِلْمِهِ أتْبَعَهُ دَلِيلَهُ مِن تَمامِ قُدْرَتِهِ فَقالَ: وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا كانَ كُلُّ تَفْصِيلٍ يَتَقَدَّمُهُ بِالرُّتْبَةِ مُجْمَلٌ جامِعٌ، وكانَتْ تَراجِمُ السُّورَةِ مَوْضِعَ الإجْمالِ لِيَكُونَ تَفْصِيلُها مَوْضِعَ التَّفاصِيلِ، وكانَ مِنَ المَذْكُورِ في سُورَةِ الكِتابِ ما وقَعَ مِنَ اللَّبْسِ كَذَلِكَ كانَ في هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي تَرْجَمَها جَوامِعُ إلَهِيَّةٌ ما وقَعَ مِنَ اللَّبْسِ في أمْرِ الإلَهِيَّةِ في أمْرِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَكانَ في هَذِهِ الآيَةِ الجامِعَةِ تَوْطِئَةٌ لِبَيانِ الأمْرِ في شَأْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن حَيْثُ إنَّهُ مِمّا صَوَّرَ في الرَّحِمِ وحَمَلَتْهُ الأُنْثى ووَضَعَتْهُ، وأنَّ جَمِيعَ ما حَوَتْهُ السَّماءُ والأرْضُ لا يَنْبَغِي أنْ يَقَعَ فِيهِ لَبْسٌ في أمْرِ الإلَهِيَّةِ؛ انْتَهى (p-٢٢٠)فَقالَ مُبَيِّنًا أمْرَ قُدْرَتِهِ بِما لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولا غَيْرُهُ: ﴿هُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿الَّذِي﴾ وقَرَّعَهم بِصَرْفِ القَوْلِ مِنَ الغَيْبَةِ إلى الخِطابِ لِيَعْظُمَ تَنَبُّهُهم عَلى ما هم فِيهِ مِن قَهْرِ المُصَوِّرِ لَهم عَلى ما أوَجَدَهم عَلَيْهِ مِمّا يَشْتَهُونَهُ ولا يَفْقَهُونَهُ فَقالَ: ﴿يُصَوِّرُكُمْ﴾ أيْ بَعْدَ أنْ كُنْتُمْ نُطَفًا مِنَ التَّصْوِيرِ وهو إقامَةُ الصُّورَةِ. وهي تَمامُ البادِي الَّتِي يَقَعُ عَلَيْها حِسُّ النّاظِرِ لِظُهُورِها، فَصُورَةُ كُلِّ شَيْءٍ تَمامُ بُدُوِّهِ قالَ الحَرالِّيُّ: ﴿فِي الأرْحامِ﴾ أيِ الَّتِي لا اطِّلاعَ لَكم عَلَيْها بِوَجْهٍ، ولَمّا كانَ التَّصْوِيرُ في نَفْسِهِ أمْرًا مُعْجِبًا وشَيْنًا لِلْعَقْلِ إذا تَأمَّلَهُ وإنْ كانَ قَدْ هانَ لِكَثْرَةِ الإلْفِ باهِرًا فَكَيْفَ بِأحْوالِهِ المُتَبايِنَةِ وأشْكالِهِ المُتَخالِفَةِ المُتَبايِنَةِ أشارَ إلى التَّعَجُّبِ مِن أمْرِهِ وجَلِيلِ سِرِّهِ بِآلَةِ الِاسْتِفْهامِ وإنْ قالُوا: إنَّها في هَذا الوَطَنِ شَرْطٌ، فَقالَ: ﴿كَيْفَ﴾ أيْ كَما ﴿يَشاءُ﴾ أيْ عَلى أيِّ حالَةٍ أرادَ، سَواءٌ عِنْدَهُ كَوْنُكم مِن نُطْفَتَيْ ذَكَرٍ وأُنْثى أوْ نُطْفَةِ أُنْثى وحْدَها دَلِيلًا عَلى كَمالِ العِلْمِ والقَيُّومِيَّةِ، وإيماءً إلى أنَّ مَن صُوِّرَ في الأرْحامِ كَغَيْرِهِ مِنَ العَبِيدِ لا يَكُونُ إلّا عَبْدًا، إذِ الإلَهُ مُتَعالٍ عَنْ ذَلِكَ لِما فِيهِ مِن [أنْواعِ] الِاحْتِياجِ والنَّقْصِ. (p-٢٢١)وقالَ الحَرالِّيُّ: فَكانَ في إلاحَةِ هَذِهِ الآيَةِ تَوْزِيعُ أمْرِ الإظْهارِ عَلى ثَلاثَةِ وُجُوهٍ تُناظِرُ وُجُوهَ التَّقْدِيرِ الثَّلاثَةِ الَّتِي في [فاتِحَةِ] سُورَةِ البَقَرَةِ، فَيُنْتِجُ هُدىً وإضْلالًا وإلْباسًا أكْمَلَ اللَّهُ بِهِ وحْيَهُ، كَما أقامَ بِتَقْدِيرِ الإيمانِ والكُفْرِ والنِّفاقِ خَلْقَهُ فَطابَقَ الأمْرُ الخَلْقَ فَأقامَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِذَلِكَ قائِمَ خَلْقِهِ وأمْرِهِ، فَكانَ في انْتِظامِ هَذِهِ الإفْهاماتِ أنَّ بادِيَ الأحْوالِ الظّاهِرَةِ عِنْدَ انْتِهاءِ الخَلْقِ إنَّما ظَهَرَتْ لِأنَّها مُودَعَةٌ في أصْلِ التَّصْوِيرِ فَصُورَةٌ نُورانِيَّةٌ يُهْتَدى بِها وصُورَةٌ ظَلْمانِيَّةٌ يُكْفَرُ لِأجْلِها، وصُورَةٌ مُلْتَبِسَةٌ عَيْشِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ يُفْتَتَنُ ويَقَعُ الإلْباسُ والِالتِباسُ مِن جِهَتِها، مِمّا لا يَفِي بِبَيانِها إلّا الفُرْقانُ المُنَزَّلُ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ، ولا تَتِمُّ إحاطَةُ جَمِيعِها إلّا في القُرْآنِ المَخْصُوصَةُ بِهِ أئِمَّةُ هَذِهِ الأُمَّةِ انْتَهى. فَقَدْ عُلِمَ أنَّ التَّصْوِيرَ في الرَّحِمِ أدَقُّ شَيْءٍ عِلْمًا وقُدْرَةً، فَعُلِمَ فاعِلُهُ بِغَيْرِهِ والقُدْرَةِ عَلَيْهِ مِن بابِ الأوْلى فَثَبَتَ أنَّهُ لا كُفْؤَ لَهُ؛ فَلِذَلِكَ وصَلَ بِهِ كَلِمَةَ الإخْلاصِ وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا تَضَمَّنَتْ إلاحَةُ هَذِهِ الآيَةِ ما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الإلْباسِ والتَّكْفِيرِ أظْهَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى كَلِمَةَ الإخْلاصِ لِيُظْهِرَ نُورُها أرْجاسَ تِلْكَ الإلْباساتِ وتِلْكَ التَّكْفِيراتِ فَقالَ: ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ (p-٢٢٢)إيذانًا بِما هي لَهُ [الإلْباسُ] والتَّكْفِيرُ مِن وُقُوعِ الإشْراكِ بِالإلَهِيَّةِ والكُفْرِ فِيها والتَّلَبُّسِ والِالتِباسِ في أمْرِها؛ فَكانَ في طَيِّ هَذا التَّهْلِيلِ بُشْرى بِنُصْرَةِ أهْلِ الفُرْقانِ وأهْلِ القُرْآنِ عَلى أهْلِ الِالتِباسِ والكُفْرانِ وخُصُوصًا عَلى أهْلِ الإنْجِيلِ الَّذِينَ ذُكِرَتْ كُتُبُهم صَرِيحًا في هَذا التَّنْزِيلِ [بَلْ] يُؤَيِّدُ إلاحَتَهُ في التَّهْلِيلِ إظْهارُ الخَتْمِ في هَذِهِ الآيَةِ بِصِفَتَيِ العِزَّةِ المُقْتَضِيَةِ لِلِانْتِقامِ مِن أهْلِ عَداوَتِهِ والحِكْمَةِ المُقْتَضِيَةِ لِإكْرامِ أهْلِ وِلايَتِهِ؛ انْتَهى فَقالَ: ﴿العَزِيزُ﴾ أيِ الغالِبُ غَلَبَةً لا يَجِدُ مَعَها المَغْلُوبُ وجْهَ مُدافَعَةٍ ولا انْفِلاتٍ، ولا مُعْجِزَ لَهُ في إنْفاذِ شَيْءٍ مِن أحْكامِهِ ﴿الحَكِيمُ﴾ أيِ الحاكِمُ بِالحِكْمَةِ، فالحُكْمُ المَنعُ عَمّا يَتَرامى إلَيْهِ المَحْكُومُ عَلَيْهِ وحَمْلُهُ عَلى ما يَمْتَنِعُ مِنهُ مِن جَمِيعِ أنْواعِ الصَّبْرِ ظاهِرًا بِالسِّياسَةِ العالِيَةِ نَظَرًا لَهُ، والحِكْمَةُ العِلْمُ بِالأمْرِ الَّذِي لِأجْلِهِ وجَبَ الحُكْمُ مِن قِوامِ أمْرِ العاجِلَةِ وحُسْنِ العُقْبى في الآجِلَةِ؛ فَفي ظاهِرِ ذَلِكَ الجُهْدُ، وفي باطِنِهِ الرِّفْقُ، وفي عاجِلِهِ الكُرْهُ، وفي آجِلِهِ الرِّضى والرَّوْحُ؛ ولا يَتِمُّ الحُكْمُ وتَسْتَوِي الحِكْمَةُ إلّا بِحَسَبِ سَعَةِ العِلْمِ، فَبِذَلِكَ يَكُونُ (p-٢٢٣)تَنْزِيلُ أمْرِ العِزَّةِ عَلى وزْنِ الحِكْمَةِ قالَهُ الحَرالِّيُّ بِالمَعْنى.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی یُصَوِّرُكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق