الباحث القرآني

ولَمّا خَتَمَ سُبْحانَهُ وتَعالى هَذِهِ البِشارَةَ بِالآيَةِ القاطِعَةِ القَوِيمَةِ الجامِعَةِ، وكانَ قَوْلُهُ: في أوَّلِ السُّورَةِ ﴿يُصَوِّرُكم في الأرْحامِ (p-٤١٦)كَيْفَ يَشاءُ﴾ [آل عمران: ٦] وقَوْلُهُ هُنا ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ [آل عمران: ٤٧] مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ حَمْلِها، طَواهُ وأرْشَدَ السِّياقُ حَتْمًا إلى أنَّ التَّقْدِيرَ: فَصَدَقَ اللَّهُ فِيما قالَ لَها، فَحَمَلَتْ بِهِ مِن غَيْرِ ذَكَرٍ فَوَلَدَتْهُ - عَلى ما قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى - وجِيهًا وكَلَّمَ النّاسَ في المَهْدِ وبَعْدَهُ، وعَلَّمَهُ الكِتابَ والحِكْمَةَ وأرْسَلَهُ إلى بَنِي إسْرائِيلَ، فَأتَمَّ لَهُمُ الدَّلائِلَ ونَفى الشُّبَهَ عَلى ما أمَرَهُ بِهِ الَّذِي أرْسَلَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى وعَلِمُوا أنَّهُ ناسِخٌ لا مُقَرِّرٌ، فَتابَعَهُ قَوْمٌ وخالَفَهُ آخَرُونَ فَغَطَّوْا جَمِيعَ الآياتِ وأعْرَضُوا عَنِ الهُدى والبَيِّناتِ، ونَصَبُوا لَهُ الأشْراكَ والحَبائِلَ وبَغَوْهُ الدَّواهِيَ والغَوائِلَ، فَضَلُّوا عَلى عِلْمٍ وظَهَرَ مِنهُمُ الكُفْرُ البَيِّنُ واعْوَجُّوا عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُسَلِّيًا لِهَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ ﷺ: ﴿فَلَمّا أحَسَّ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: مِنَ الإحْساسِ وهو مَنالُ الأمْرِ بادِرًا إلى العِلْمِ والشُّعُورِ الوِجْدانِيِّ - انْتَهى ﴿عِيسى مِنهُمُ الكُفْرَ﴾ أيْ عَلِمَهُ عِلْمَ مَن شاهَدَ الشَّيْءَ بِالحِسِّ ورَأى مَكْرَهم عَلى ذَلِكَ يَتَزايَدُ وعِنادَهم يَتَكاثَرُ (p-٤١٧)بَعْدَ أنْ عَلِمَ كُفْرَهم عِلْمًا لا مِرْيَةَ فِيهِ، فاسْتَغاثَ بِالأنْصارِ وعَلِمَ أنَّ مَنجَنُونَ الحَرْبِ قَدْ دارَ، فَعَزَمَ عَلى إلْحاقِهِمْ دارَ البَوارِ ﴿قالَ مَن أنْصارِي﴾ ولَمّا كانَ المَقْصُودُ ثَباتَ الأنْصارِ مَعَهُ إلى أنْ يَتِمَّ أمْرُهُ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِصِلَةٍ دَلَّتْ عَلى تَضْمِينِ هَذِهِ الكَلِمَةِ كَلِمَةً تُوافِقُ الصِّلَةَ فَقالَ: ﴿إلى﴾ أيْ سائِرِينَ أوْ واصِلِينَ مَعِي بِنَصْرِهِمْ إلى ﴿اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ ﴿قالَ الحَوارِيُّونَ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: جَمْعُ حَوارِيٍّ وهو المُسْتَخْلِصُ نَفْسَهُ في نُصْرَةِ مَن تَحِقُّ نُصْرَتُهُ بِما كانَ مِن إيثارِهِ عَلى نَفْسِهِ بِصَفاءٍ وإخْلاصٍ لا كَدَرَ فِيهِ ولا شَوْبَ. انْتَهى. وهُوَ مَصْرُوفٌ لِأنَّ ياءَهُ عارِضَةٌ ﴿نَحْنُ أنْصارُ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي أرْسَلَكَ وأقْدَرَكَ عَلى ما تَأْتِي بِهِ مِنَ الآياتِ، فَهو المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ عِزَّةً وعِلْمًا، ثُمَّ صَحَّحُوا النُّصْرَةَ وحَقَّقُوا بِأنْ عَلَّلُوا بِقَوْلِهِمْ: ﴿آمَنّا بِاللَّهِ﴾ أيْ عَلى ما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ، ثُمَّ أكَّدُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ مُخاطِبِينَ لِعِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رَسُولِهِمْ أكْمَلِ الخَلْقِ إذْ ذاكَ: ﴿واشْهَدْ بِأنّا مُسْلِمُونَ﴾ أيْ مُنْقادُونَ لِجَمِيعِ ما تَأْمُرُنا بِهِ كَما هو حَقُّ مَن آمَنَ لِتَكُونَ (p-٤١٨)شَهادَتُكَ عَلَيْنا أجْدَرَ لِثَباتِنا ولِتَشْهَدَ لَنا بِها يَوْمَ القِيامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب