الباحث القرآني

ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما قالَ زَكَرِيّا حِينَئِذٍ؟ قِيلَ: ﴿هُنالِكَ﴾ أيْ في ذَلِكَ الوَقْتِ وذَلِكَ المَكانِ العَظِيمِ المِقْدارِ ﴿دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ﴾ تَذَكُّرًا لِما عَوَّدَهُمُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِهِ مِنَ الإكْرامِ، فَظَهَرَتْ عَلَيْهِ كَراماتُ هَذِهِ الكَفالَةِ، قالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا أشْهَدَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّهُ يَخْرِقُ عادَتَهُ لِمَن شاءَ بِكَلِمَتِهِ في حَقِّ كَفِيلَتِهِ في الظّاهِرِ، الكافِلَةِ لَهُ في هَذا المَعْنى، دَعا رَبَّهُ الَّذِي عَوَّدَهُ بِالإحْسانِ أنْ يَرْزُقَهُ ولَدًا في غَيْرِ إبّانِهِ كَما رَزَقَ مَرْيَمَ رِزْقًا في غَيْرِ زَمانِهِ فَوَجَبَ دُعاؤُهُ. انْتَهى. ﴿قالَ رَبِّ﴾ أيِ الَّذِي عَوَّدَنِي بِإحْسانِهِ ﴿هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: طَلَبَ عَلَيْهِ مِن باطِنِ الأمْرِ كَما قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وعَلَّمْناهُ (p-٣٦٤)مِن لَدُنّا عِلْمًا﴾ [الكهف: ٦٥] وكَما قالَ فِيهِ ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ [مريم: ١٣] لِأنَّ كُلَّ ما كانَ مِن (لَدُنْ) فَهو أبْطَنُ مِن (عِنْدَ) ﴿ذُرِّيَّةً﴾ فِيهِ إشْعارٌ بِكَثْرَةٍ ونَسْلٍ باقٍ، فَأُجِيبَ بِوَلَدٍ فَرْدٍ لَمّا كانَ زَمانَ انْتِهاءٍ في ظُهُورِ كَلِمَةِ الرُّوحِ وبِأنَّهُ لا يُنْسِلُ فَكانَ يَحْيِى حَصُورًا لِغَلَبَةِ الرُّوحانِيَّةِ عَلى إنْسانِيَّتِهِ. انْتَهى. ﴿طَيِّبَةً﴾ أيْ مُطِيعَةً لَكَ لِأنَّ ذَلِكَ طِلْبَةُ أهْلِ الخُصُوصِ، ثُمَّ عَلَّلَ إدْلالَهُ عَلى المَقامِ الأعْظَمِ بِالسُّؤالِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ أيْ مُرِيدُهُ ومُجِيبُهُ لِأنَّ مِن شَأْنِ مَن يَسْمَعُ - ولَمْ يَمْنَعْ - أنْ يُجِيبَ إذا كانَ قادِرًا كامِلًا، وقَدْ ثَبَتَتِ القُدْرَةُ بِالرُّبُوبِيَّةِ الكامِلَةِ الَّتِي لا تَحْصُلُ إلّا مِنَ الحَيِّ القَيُّومِ، بِخِلافِ الأصْنامِ ونَحْوِها مِمّا عُبِدَ فَإنَّها لا تَسْمَعُ، ولَوْ سَمِعَتْ لَمْ تَقْدِرْ عَلى الإجابَةِ إلى ما تُسْألُ فِيهِ لِأنَّها مَرْبُوبَةٌ. قالَ الحَرالِّيُّ: أعْلَمَ الدّاعِي بِما لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى مِنَ الإجابَةِ، والقُرْبُ ”وسِيلَةٌ في قَبُولِ“ دُعائِهِ - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب