الباحث القرآني
ولَمّا كانَ جُلُّ المَقْصُودِ هُنا بَيانَ الكَراماتِ في آلِ عِمْرانَ لا سِيَّما في الوِلادَةِ، وكانَ آدَمُ المُمَثَّلُ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ أمْرِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ سُورَةِ الكِتابِ المُثْمِرِ لِلْعِلْمِ، وكَذا بَيانُ كَثِيرٍ مِمّا اصْطَفى بِهِ إبْراهِيمَ وآلَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذْ كانَ مُعْظَمُ القَصْدِ بِالكَلامِ لِذُرِّيَّتِهِ، وكانَ مُعْظَمُ المَقْصُودِ مِن ذِكْرِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَوْنَهُ في عَمُودِ النَّسَبِ، ولَيْسَ في أمْرِ وِلادَتِهِ ما هو خارِجٌ عَنِ العادَةِ قالَ طاوِيًا لِمَن قَبْلُ: ﴿إذْ﴾ أيِ اذْكُرْ جَوابًا لِمَن يُجادِلُكَ في أمْرِهِمْ ويَسْألُكَ عَنْ حالِهِمْ حِينَ ﴿قالَتِ امْرَأتُ عِمْرانَ﴾ وهي حامِلٌ.
وقالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا كانَ مَن ذُكِرَ في الِاصْطِفاءِ إنَّما ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِأمْرِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ اخْتَصَّ التَّفْصِيلُ بِأمْرِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ دُونَ سائِرِ مَن ذُكِرَ مَعَهُ، وكانَ في هَذِهِ المُناظَرَةِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ حَظٌّ مِنَ التَّكافُؤِ مِن حَيْثُ ذَكَرَ أمْرَ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ (p-٣٥٠)فِي سُورَةِ البَقَرَةِ، فَذَكَرَ خَلْقَ المَثَلِ المُناظِرِ لَهُ في السُّورَةِ المُناظِرَةِ لِسُورَةِ البَقَرَةِ وهي هَذِهِ السُّورَةُ، فَعادَ تَوْقِيتُ هَذا القَوْلِ إلى غايَةِ هَذا الِاصْطِفاءِ، فَأنْبَأ عَنِ ابْتِداءِ ما اخْتَصَّ مِنهُ بِعِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن قَوْلِ أُمِّ مَرْيَمَ امْرَأةِ عِمْرانَ حِينَ أجْرى عَلى لِسانِها وأخْطَرَ بِقَلْبِها أنْ تَجْعَلَ ما في بَطْنِها نَذْرًا، فَفَصَّلَ ما بِهِ خَتَمَ مِنَ اصْطِفاءِ آلِ عِمْرانَ، ولِذَلِكَ عُرِّفَتْ أُمُّ مَرْيَمَ في هَذا الخِطابِ بِأنَّها امْرَأةُ عِمْرانَ لِيَلْتَئِمَ التَّفْصِيلُ بِجُمْلَتِهِ السّابِقَةِ ﴿رَبِّ إنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما في بَطْنِي﴾ وكانَ نَذْرُ الوَلَدِ شائِعًا في بَنِي إسْرائِيلَ إلّا أنَّهُ كانَ عِنْدَهم مَعْهُودًا في الذُّكُورِ لِصَلاحِهِمْ لِسَدانَةِ بَيْتِ اللَّهِ والقِيامِ بِهِ، فَأكْمَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مَرْيَمَ لِما كَمُلَ لَهُ الرِّجالُ - كَما قالَ عَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلاةِ وأزْكى السَّلامِ «كَمُلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلّا أرْبَعٌ» فَذَكَرَ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرانَ عَلَيْها السَّلامُ، فَكانَ مِن كَمالِها خُرُوجُ والِدَتِها عَنْها، وكانَ أصْلُهُ مِنَ الأُمِّ الَّتِي لَها الإشْفاقُ، فَكانَ خُرُوجُها أكْمَلَ مِن خُرُوجِ الوَلَدِ لِأنَّها لَها في زَمَنِ الحَمْلِ والرَّضاعِ والتَّرْبِيَةِ إلى أنْ يَعْقِلَ الوَلَدُ أباهُ فَحِينَئِذٍ يَتَرَقّى إلى حِزْبِ أبِيهِ، ولِذَلِكَ - واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ - أُرِيَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ذَبْحَ ولَدِهِ عِنْدَ تَمْيِيزِهِ، وخَرَجَتِ امْرَأةُ عِمْرانَ عَنْ حَمْلِها وهو في بَطْنِها حِينَ ما هو أعْلَقُ بِها - (p-٣٥١)انْتَهى. ونَذَرَتْهُ لِلَّهِ تَعالى حالَ كَوْنِهِ ﴿مُحَرَّرًا﴾ أيْ لا اعْتِراضَ ولا حُكْمَ لِأحَدٍ مِنَ الخَلْقِ عَلَيْهِ، قالَ الحَرالِّيُّ: والتَّحْرِيرُ طَلَبُ الحُرِّيَّةِ، والحُرِّيَّةُ رَفْعُ اليَدِ عَنِ الشَّيْءِ مِن كُلِّ وجْهٍ، وفي الإتْيانِ بِصِيغَةِ التَّكْثِيرِ والتَّكْرِيرِ إشْعارٌ بِمُضِيِّ العَزِيمَةِ في قَطْعِ الوِلايَةِ عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ لِتُسَلِّمَ وِلايَتَهُ لِلَّهِ تَعالى. انْتَهى.
﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾ ولَمّا كانَ حُسْنُ إجابَةِ المَهْتُوفِ بِهِ المُلْتَجَإ إلَيْهِ عَلى حَسَبِ إحاطَةِ سَمْعِهِ وعِلْمِهِ عَلَّلَتْ سُؤالَها في التَّقَبُّلِ بِأنْ قَصَرَتِ السَّمْعَ والعِلْمَ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ فَقالَتْ: ﴿إنَّكَ أنْتَ﴾ أيْ وحْدَكَ ﴿السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ فَقالَتْ كَما قالَ سَلَفُها إبْراهِيمُ وإسْماعِيلُ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ
﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا﴾ [البقرة: ١٢٧] أيْ فَلا يَسْمَعُ أحَدٌ قَوْلِي مِثْلَ سَمْعِكَ، ولا يَعْلَمُ أحَدٌ نِيَّتِي مِثْلَ عِلْمِكَ ولا أنا، فَإنْ كانَ فِيهِما شَيْءٌ لا يَصْلُحُ فَتَجاوَزْ عَنْهُ.
{"ayah":"إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَ ٰنَ رَبِّ إِنِّی نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِی بَطۡنِی مُحَرَّرࣰا فَتَقَبَّلۡ مِنِّیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق