الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الِاتِّباعُ قَدْ يَكُونُ عَنْ غَلَبَةٍ لا عَنْ طاعَةٍ بَيَّنَ أنَّهُ لا يَنْفَعُ إلّا مَعَ الإذْعانِ فَقالَ - أوْ يُقالُ: لَمّا كانَ ﷺ في غايَةِ (p-٣٣٧)الرَّأْفَةِ بِالعِبادِ وكانَ يَعْلَمُ أنَّ آحادَ الأُمَّةِ لا يَقْدِرُونَ عَلى كَمالِ اتِّباعِهِ لِما لَهُ مَعَ العِصْمَةِ مِنَ الطَّبْعِ عَلى خِصالِ الكَمالِ كانَ كَأنَّهُ قالَ لَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: فَإنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلى كَمالِ اتِّباعِي؟ فَقالَ: ﴿قُلْ﴾ وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا ذَكَرَ تَعالى ما تَقَدَّمَ مِنَ التَّحْذِيرَيْنِ، في رُتْبَتَيْنِ أُولاهُما في الذِّكْرِ نَجاتَيْنِ مِن مُوجِبِ التَّحْذِيرَيْنِ، فَكانَ الِاتِّباعُ مُوجِبَ النَّجاةِ مِنَ التَّحْذِيرِ الثّانِي الباطِنِ الَّذِي مَبْدَؤُهُ الرَّأْفَةُ، وكانَ الطّاعَةُ مُوجِبَ النَّجاةِ مِنَ التَّحْذِيرِ الأوَّلِ السّابِقِ، فَمَن أطاعَ اللَّهَ ورَسُولَهُ فِيما نَهى عَنْهُ مِنَ اتِّخاذِ وِلايَةِ الكافِرِينَ مِن دُونِ وِلايَةِ المُؤْمِنِينَ سَلِمَ مِنَ التَّحْذِيرِ الظّاهِرِ، ومَنِ اتَّبَعَ الرَّسُولَ فَأحَبَّهُ اللَّهُ سَلِمَ مِنَ التَّحْذِيرِ الباطِنِ، فَخَتَمَ الخِطابَ بِما بِهِ بَدَأ، أوْ لَمّا كانَتْ رُتْبَةُ الِاتِّباعِ عُلْيا ولِيَتْها رُتْبَةُ الِائْتِمارِ، فَهو إمّا مُتَّبِعٌ عَلى حُبٍّ وإمّا مُؤْتَمِرٌ عَلى طاعَةٍ، فَمَن لَمْ يَكُنْ مِن أهْلِ الِاتِّباعِ فَلْيَكُنْ مِن أهْلِ الطّاعَةِ، فَكَأنَّ الخِطابَ يُفْهَمُ: ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي﴾ [آل عمران: ٣١] فَإنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَتَّبِعُونِي فَأطِيعُونِي، انْتَهى فَقالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿قُلْ أطِيعُوا اللَّهَ﴾ أيْ لِما لَهُ مِن صِفاتِ (p-٣٣٨)الكَمالِ. ولَمّا قَدَّمَ أنَّ رِضاهُ في اتِّباعِهِ ﷺ فَدَلَّ عَلى أنَّ الطّاعَتَيْنِ واحِدَةٌ قالَ مُوَحِّدًا لِلْعامِلِ: ﴿والرَّسُولَ﴾ أيِ الكامِلَ في الرُّسْلِيَّةِ لِما لَهُ بِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى مِن مَزايا الِاتِّصالِ، وهو وإنْ كانَ اسْمًا كُلِّيًّا لَكِنَّهُ كانَ حِينَ إنْزالِ هَذا الخِطابِ مُخْتَصًّا بِأكْمَلِ الخَلْقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ المُرْسَلِ إلى الخَلْقِ كافَّةً عَلى أنَّ طاعَتَهُ طاعَةٌ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ بَيَّنُوا لِلنّاسِ أمْرَهُ ﷺ وعَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ وسَلَّمَ. قالَ الحَرالِّيُّ: فَكانَ إشارَةُ ذَلِكَ إلى ما نُهُوا عَنْهُ مِنَ التَّوَلِّي إلى ما يَنْتَظِمُ في مَعْنى ذَلِكَ، وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ الأمْرَ يَكُونُ فِيهِ مَحُوطًا بِالرَّحْمَةِ مِن حَيْثُ ذُكِرَ الرَّسُولُ فِيهِ بِما هو رَحْمَةٌ لِلْعالَمِينَ ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا﴾ أيْ عَنْ طاعَةِ خِطابِ اللَّهِ والرَّسُولِ المَحْفُوفِ بِاللُّطْفِ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى والرَّحْمَةِ مِن رَسُولِ اللَّهِ. انْتَهى. و﴿تَوَلَّوْا﴾ يَحْتَمِلُ المُضارِعَ والمُضِيَّ، فَكانَ الأصْلُ في الكَلامِ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾ الَّذِي لَهُ الغِنى المُطْلَقُ لا يُحِبُّكُمْ، أوْ: لا يُحِبُّهُمْ، ولَكِنَّهُ أظْهَرَ الوَصْفَ المُعْلِمَ بِأنَّ التَّوَلِّيَ كُفْرٌ فَقالَ: ﴿لا يُحِبُّ (p-٣٣٩)الكافِرِينَ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: أفْرَدَ لِلَّهِ لَمّا كانَ وعِيدًا، إبْقاءً لِرَسُولِهِ ﷺ في حَيِّزِ الرَّحْمَةِ.
ولَمّا نَفى عَمَّنْ تَوَلّى أنْ يُحِبَّهُ كانَ في إشْعارِهِ أنَّ هَذا الكُفْرَ عُمُومُ كُفْرٍ يُداخِلُ رُتَبًا مِنَ الإيمانِ مِن حَيْثُ نَفى عَنْهُ الحُبَّ فَنَفى مِنهُ ما يَنالُهُ العَفْوُ أوِ المَغْفِرَةُ والرَّحْمَةُ ونَحْوُ ذَلِكَ بِحَسَبِ رُتَبِ تَناقُصِ الكُفْرِ، لِأنَّهُ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، ومَن فِيهِ كُفْرٌ فَهو غَيْرُ مُسْتَوْفِي اتِّباعِ الرَّسُولِ بِما أنَّهُ الماحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الكُفْرَ، وإنَّما يُحِبُّ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رَسُولَهُ، فَعادَ الخَتْمُ في الخِطابِ إلى إشْعارٍ مِن مَعْنى أوَّلِهِ وفي إلاحَتِهِ أنَّ حُبَّ اللَّهِ لِلْعَبْدِ بِحَسَبِ تَوْحِيدِهِ، فَكُلَّما كانَ أكْمَلَ تَوْحِيدًا كانَ أحَبَّ، وما سَقَطَ عَنْ رُتْبَةِ أدْنى التَّوْحِيدِ الَّذِي هو مَحَلُّ الأمْرِ بِطاعَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ورَسُولِهِ ﷺ كانَ كُفْرًا بِحَسَبِ ما يُغَطِّي عَلى تِلْكَ الرُّتْبَةِ مِنَ التَّوْحِيدِ، لِأنَّ هَذِهِ السُّورَةَ سُورَةٌ إلَهِيَّةٌ إيمانِيَّةٌ حِبِّيَّةٌ تَوْحِيدِيَّةٌ، فَخِطابُها مَخْصُوصٌ بِما يَجْرِي في حُكْمِ ذَلِكَ مِنَ الإيمانِ والكُفْرِ والمُحْكَمِ والمُتَشابِهِ وكَشْفِ غِطاءِ الأعْيُنِ ورَفْعِ حُجُبِ القُلُوبِ. انْتَهى.
وقَدْ وضَحَ أنَّ الآيَةَ مِن الِاحْتِباكِ - فَأصْلُ نَظْمِها: فَإنْ تَوَلَّوْا (p-٣٤٠)فَإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّهم لِكُفْرانِهِمْ، وإنْ أقْبَلُوا فَإنَّ اللَّهَ يُحِبُّهم لِإيمانِهِمْ، فَإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ واللَّهُ يُحِبُّ المُؤْمِنِينَ - إثْباتُ التَّوْلِيَةِ في الأوَّلِ يَدُلُّ عَلى حَذْفِ الإقْبالِ مِنَ الثّانِي، إثْباتُ الكَراهَةِ في الثّانِي يَدُلُّ عَلى حَذْفِ مِثْلِها في الأوَّلِ.
{"ayah":"قُلۡ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق