الباحث القرآني

(p-٣٠٦)ولَمّا تَسَبَّبَ عَنِ اجْتِرائِهِمْ بِالكَذِبِ عَلى اللَّهِ أنْ يُسْألَ عَنْ حالِهِمْ مَعَهُ قالَ صارِفًا القَوْلَ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ المُقْتَضِي لِلْمُجازاةِ والمُناقَشَةِ: ﴿فَكَيْفَ﴾ أيْ يَكُونُ حالُهم ﴿إذا جَمَعْناهُمْ﴾ أيْ وقَدْ رَفَعْنا حِجابَ العَظَمَةِ وشَهَرْنا سَيْفَ العِزَّةِ والسَّطْوَةِ. ولَمّا كانَ المَقْصُودُ بِالجَمْعِ الجَزاءَ قالَ: ﴿لِيَوْمٍ﴾ ووَصْفُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ مُشْعِرٌ- كَما قالَ الحَرالِّيُّ - بِأنَّهم لَيْسُوا عَلى طُمَأْنِينَةٍ في باطِلِهِمْ بِمَنزِلَةِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أصْلُ كِتابٍ، فَهم في رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ إلى أنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ. ولَمّا كانَ الجَزاءُ أمْرًا مُتَحَقِّقًا لا بُدَّ مِنهُ أشارَ إلَيْهِ بِصِيغَةِ الماضِي في قَوْلِهِ: ﴿ووُفِّيَتْ﴾ والبِناءُ لِلْمَفْعُولِ لِلْإفْهامِ بِسُهُولَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وإنْ كانَ يَفُوتُ الحَصْرُ وتَأْنِيثُ الفِعْلِ لِلْإشارَةِ إلى دَناءَةِ النُّفُوسِ وضَعْفِها وقَوْلُهُ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: الفَصْلُ المُوقِعُ لِلْجَزاءِ مَخْصُوصٌ بِوُجُودِ النَّفْسِ الَّتِي دَأْبُها أنْ تُنَفِّسَ فَتُرِيدَ وتَخْتارَ وتُحِبَّ وتَكْرَهَ، فَهي الَّتِي تُوَفّى، فَمَن سُلِبَ الِاخْتِيارَ والإرادَةَ والكَراهَةَ بِتَحَقُّقِ الإسْلامِ الَّذِي تَقَدَّمَ ارْتَفَعَ عَنْهُ التَّوْفِيَةُ، إذْ لا وُجُودَ نَفْسٍ لَهُ (p-٣٠٧)بِما أسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَصَّ وعِيدُ القُرْآنِ كُلُّهُ بِالنَّفْسِ في نَفاسَتِها بِإرادَتِها وما تَنْشَأُ لَها عَلَيْهِ مِن أحْوالِها وأفْعالِها ودَعْواها في مِلْكِها ومُلْكِها، فَمَتى نَفَّسَتْ فَتَمَلَّكَتْ مِلْكًا أوْ تَشَرَّفَتْ مُلْكًا خَرَجَتْ عَنْ إسْلامِها حَتّى يَنالَها سَلْبُ القَهْرِ مِنهُ وإلْزامُ الذُّلِّ عَنْهُ، وبِلَمْحٍ مِن هَذا المَعْنى اتَّصَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَها بِخَتْمِ هَذِهِ الآيَةِ وناظَرَتْ رَأْسَ آيَةِ ذِكْرِ الإسْلامِ، فَإنَّما هو مُسْلِمٌ لِلَّهِ وذُو نَفَسٍ مُتَمَلِّكٍ عَلى اللَّهِ حَتّى يَسْلُبَهُ اللَّهُ في العُقْبى أوْ يُذِلَّهُ في الدُّنْيا، فَشَمِلَ هَذا الوَفاءُ لِكُلِّ نَفْسٍ أهْلَ الكِتابِ وغَيْرَهُمْ، وعَمَّ الوَفاءُ لِكُلِّ مَن يَعُمُّهُ الجَمْعُ، كَذَلِكَ خِطابُ القُرْآنِ يَبْدَأُ بِخُصُوصٍ فَيَخْتِمُ بِعُمُومٍ، ويَبْدَأُ بِعُمُومٍ فَيَثْنِيهِ تَفْصِيلٌ. انْتَهى. ولَمّا كانَ هَذا الجَزاءُ شامِلًا لِلْخَيْرِ والشَّرِّ قالَ: ﴿ما﴾ أيْ جَزاءَ ما ﴿كَسَبَتْ﴾ فَأتى بِهِ مُخَفَّفًا لِيَشْمَلَ المُباشَرَةَ بِكَسْبٍ أوِ اكْتِسابٍ، وأنَّثَ الفِعْلَ مَعَ جَوازِ التَّذْكِيرِ مُراعاةً لِلَفْظِ (كُلُّ) إشارَةً إلى الإحاطَةِ بِالأفْعالِ ولَوْ كانَتْ في غايَةِ الحَقارَةِ، وراعى مَعْنى ”كُلُّ“ لِلْوَفاءِ بِالمَعْنى مَعَ مُوافَقَةِ الفَواصِلِ ﴿وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ أيْ لا يَقَعُ عَلَيْهِمْ ظُلْمٌ (p-٣٠٨)بِزِيادَةٍ ولا نَقْصٍ، ولا يَتَوَقَّعُونَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب