الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الحالُ رُبَّما اقْتَضى أنْ يُقالَ مِن بَعْضِ أهْلِ الضَّلالِ: إنَّ لِهَؤُلاءِ أعْمالًا حِسانًا واجْتِهاداتٍ في الطّاعَةِ عَظِيمَةً، بَيَّنَ تَعالى أنَّ تِلْكَ الأفْعالَ مُجَرَّدُ صُوَرٍ لا مَعانِيَ لَها لِتَضْيِيعِ القَواعِدِ، كَما أنَّهم هم أيْضًا ذَواتٌ بِغَيْرِ قُلُوبٍ، لِتَقَعَ المُناسَبَةُ بَيْنَ الأعْمالِ والعامِلِينَ فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ﴾ أيِ البُعَداءُ البُغَضاءُ ﴿الَّذِينَ حَبِطَتْ﴾ أيْ فَسَدَتْ فَسَقَطَتْ، وأشارَ بِتَأْنِيثِ الفِعْلِ إلى ضَعْفِها مِن أصْلِها ﴿أعْمالُهُمْ﴾ أيْ كُلُّها الدُّنْياوِيَّةُ والدِّينِيَّةُ، وأنْبَأ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿فِي الدُّنْيا﴾ كَما قالَ الحَرالِّيُّ - أنَّهم يَتَعَقَّبُونَ أعْمالَ خَيْرِهِمْ بِبَغْيٍ يَمْحُوها فَلا يَطْمَعُونَ بِجَزائِها في عاجِلٍ ولا آجِلٍ، وبِذَلِكَ تَمادى عَلَيْهِمُ الذُّلُّ وقَلَّ مِنهُمُ المُهْتَدِي - انْتَهى ﴿والآخِرَةِ﴾ فَلا يُقِيمُ لَهُمُ اللَّهُ في يَوْمِ الدِّينِ وزْنًا، وأسْقَطَ ذِكْرَ الحَياةِ إشارَةً إلى أنَّهُ لا حَياةَ لَهم في واحِدَةٍ مِنَ الدّارَيْنِ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَلا يَنْتَصِرُونَ بِأنْفُسِهِمْ أصْلًا، فَإنَّهم لا يُدَبِّرُونَ تَدْبِيرًا إلّا كانَ فِيهِ تَدْمِيرُهُمْ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وما لَهم مِن ناصِرِينَ﴾ (p-٣٠٢)قالَ الحَرالِّيُّ: فِيهِ إعْلامٌ بِوُقُوعِ الغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ غَلَبَةً لا نُصْرَةَ لَهم فِيها في يَوْمِ النَّصْرِ المَوْعُودِ في سُورَةِ الرُّومِ الَّتِي هي تَفْصِيلٌ مِن مَعْنى هَذِهِ السُّورَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: ٤] ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَن يَشاءُ﴾ [الروم: ٥] فَهم غَيْرُ داخِلِينَ فِيمَن يَنْصُرُ بِما قَدْ ورَدَ أنَّهم ”يُقْتَلُونَ في آخِرِ الزَّمانِ حَتّى يَقُولَ الحَجَرُ: يا مُسْلِمُ ! خَلْفِي يَهُودِيٌّ فاقْتُلْهُ، حَتّى لا يَبْقى مِنهم إلّا مَن يَسْتُرُهُ شَجَرُ الفَرْقَدِ“ كَما قالَ ﷺ: «إنَّهُ مِن شَجَرِهِمْ» وفي إفْهامِهِ أنَّ طائِفَةً مِن أهْلِ الإنْجِيلِ يَقُومُونَ بِحَقِّهِ، فَيَكُونُونَ مِمَّنْ تَشْمَلُهم نُصْرَةُ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى مَعَ المُسْلِمِينَ، فَتَنْتَسِقُ المِلَّةُ واحِدَةً مِمّا يَقَعُ مِنَ الاجْتِماعِ حِينَ تَضَعُ الحَرْبُ أوْزارَها. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب