الباحث القرآني
ولَمّا كانَ ذَلِكَ عُلِمَ أنَّهُ يَجِبُ أنْ تَخْضَعَ لَهُ الرِّقابُ ويُخْلِصَ لَهُ التَّوْحِيدَ جَمِيعُ الألْبابِ وذَلِكَ هو الإسْلامُ فَقالَ مُعَلِّلًا لِلشَّهادَةِ مِنهم بِالعَدْلِ - وقِراءَةُ الكِسائِيِّ بِالفَتْحِ أظْهَرُ في التَّعْلِيلِ: ﴿إنَّ الدِّينَ﴾ وأصْلُهُ الجَزاءُ، أُطْلِقَ هُنا عَلى الشَّرِيعَةِ لِأنَّها مُسَبَّبَةٌ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ (p-٢٩٣)أيِ المَلِكِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ﴿الإسْلامُ﴾ فاللّامُ لِلْعَهْدِ في هَذِهِ الشَّهادَةِ فَإنَّها أُسٌّ لِكُلِّ طاعَةٍ، فَلِأجْلِ أنَّ الدِّينَ عِنْدَهُ هَذا شَهِدُوا لَهُ هَذِهِ الشَّهادَةَ المُقْتَضِيَةَ لِنِهايَةِ الإذْعانِ.
ولَمّا كانَ ذَلِكَ مُصَرِّحًا بِأنَّهُ لا دِينَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ كانَ كَأنَّ قائِلًا قالَ: فَكانَ يَجِبُ أنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الأنْبِياءُ الماضُونَ والأُمَمُ السّالِفُونَ لِيَلْزَمُوهُ ويُلْزِمُوهُ أتْباعَهُمْ! فَقِيلَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقِيلَ: فَما لَهم لَمْ يَلْزَمُوهُ؟ فَقِيلَ: قَدْ لَزِمُوهُ مُدَّةً مَدِيدَةً ﴿وما﴾ ويَجُوزُ وهو أحْسَنُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِشَهادَتِهِ ما يُرْضِيهِ بِآياتِهِ المَرْئِيَّةِ ثُمَّ أوْضَحَهُ غايَةَ الإيضاحِ بِآياتِهِ المَسْمُوعَةِ بِكُتُبِهِ وما ﴿اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ هَذا الِاخْتِلافَ الَّذِي تَرَوْنَهُ ﴿إلا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ﴾ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وما كانَ اخْتِلافُهم لِجَهْلِهِمْ بِذَلِكَ بَلْ ﴿بَغْيًا﴾ واقِعًا ﴿بَيْنَهُمْ﴾ لا بَيْنَهم وبَيْنَ غَيْرِهِمْ، بَلْ مِن بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ لِلْحَسَدِ والتَّنافُسِ في الدُّنْيا لِشُبَهٍ أبْدَوْها ودَعاوٍ ادَّعَوْها، طالَ بَيْنَهم فِيها النِّزاعُ وعَظُمَ الدِّفاعُ، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عالِمٌ بِكَشْفِها، قادِرٌ عَلى صَرْفِها. قالَ الحَرالِّيُّ: والبَغْيُ السَّعْيُ بِالقَوْلِ والفِعْلِ (p-٢٩٤)فِي إزالَةِ نِعَمٍ أنْعَمَ اللَّهُ تَعالى بِها عَلى خَلْقٍ بِما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ ضَمائِرُ الباغِي مِنَ الحَسَدِ لَهُ. انْتَهى.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَمَنِ اسْتَمَرَّ عَلى الإيمانِ فَإنَّ اللَّهَ عَظِيمُ الثَّوابِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ومَن يَكْفُرْ﴾ أيْ يَسْتَمِرَّ عَلى كُفْرِهِ ولَمْ يَقُلْ حِلْمًا مِنهُ: ومَن كَفَرَ ﴿بِآياتِ اللَّهِ﴾ أيِ المَرْئِيّاتِ والمَسْمُوعاتِ الدّالَّةِ عَلى إحاطَتِهِ بِالكَمالِ وُقُوفًا مَعَ تِلْكَ الشُّبَهِ وعَمِيَ عَنِ الدَّلِيلِ فاللَّهُ مُهْلِكُهُ عاجِلًا ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾ أيِ المُحِيطَ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا ولا كُفْؤَ لَهُ ﴿سَرِيعُ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: مِنَ السُّرْعَةِ وهي وحاءُ النِّجازِ فِيما شَأْنُهُ الإبْطاءُ. انْتَهى. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كَنّى بِالسُّرْعَةِ عَنِ القُرْبِ فالمَعْنى: قَرِيبُ ﴿الحِسابِ﴾ أيْ عَنْ قَرِيبٍ يُجازِيهِمْ عَلى كُفْرِهِمْ في هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا بِأيْدِي بَعْضِهِمْ وبِأيْدِي المُؤْمِنِينَ، ثُمَّ يُنْقَلُونَ إلى حِسابِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى في الدّارِ الآخِرَةِ المُقْتَضِي لِعَذابِ الكَفَرَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ السُّرْعَةُ عَلى بابِها، والمُرادُ أنَّهُ لا يَتَهَيَّأُ في حِسابِهِ ما يَتَهَيَّأُ في حِسابِ غَيْرِهِ مِنَ المُغالَطَةِ المُقْتَضِيَةِ لِلنَّجاةِ أوِ المُطاوَلَةِ في مُدَّةِ الحِسابِ المُقْتَضِيَةِ لِتَأخُّرِ الجَزاءِ في مُدَّةِ المُراوَغَةِ (p-٢٩٥)واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
ومِنَ الكُفْرِ بِالآياتِ الكُفْرُ بِعِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَ انْتَحَلُوا فِيهِ الإلَهِيَّةَ. قالَ الحَرالِّيُّ: كانَ آيَةً مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى لِلْهِدايَةِ، فَوَقَعَ عِنْدَهم بِحالِ مَن كَفَرُوا بِهِ، فَكانَ سَبَبُ كُفْرِهِمْ ما كانَ مُسْتَحِقًّا أنْ يَكُونَ سَبَبَ هِدايَةِ المُهْتَدِي، وكانَ ذَلِكَ فِيهِ لِمَحَلِّ اشْتِباهِهِ لِأنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ خَلْقُهُ بِما ظَهَرَ عَلى يَدَيْهِ مِن آياتِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وفي التَّعْرِيضِ بِهِ إلاحَةٌ لِما يَقَعُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ في نَحْوِهِ مِمَّنْ هو مَقامُ الهِدايَةِ فَوَقَعَ في طائِفَةٍ مَوْقِعَ آيَةٍ كَفَرُوا بِها، كَما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ «مَثَلُكَ يا عَلِيُّ كَمَثَلِ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ أبْغَضَهُ يَهُودُ فَبَهَتُوا أُمَّهُ وأحَبَّهُ النَّصارى فَأنْزَلُوهُ بِالمَحَلِّ الَّذِي لَيْسَ بِهِ» كَذَلِكَ تَفَرَّقَتْ فِرَقٌ في عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ مِن بَيْنِ خارِجِيهِمْ ورافِضِيهِمُ انْتَهى.
{"ayah":"إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق