الباحث القرآني

ولَمّا قَدَّمَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - في أوائِلِ قَصَصِ اليَهُودِ أنَّهُ أخَذَ عَلى النَّبِيِّينَ المِيثاقَ بِما أخَذَ؛ وأخْبَرَهم أنَّهُ مَن تَوَلّى بَعْدَ ذَلِكَ فَهو الفاسِقُ؛ ثُمَّ أخْبَرَ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ جاءَكم رُسُلٌ مِن قَبْلِي﴾ [آل عمران: ١٨٣] ﴿فَإنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٨٤]؛ أنَّ النَّبِيِّينَ وفَّوْا بِالعَهْدِ؛ وأنَّ كَثِيرًا مِن أتْباعِهِمْ خانَ؛ ثَنّى هُنا بِالتَّذْكِيرِ بِذَلِكَ العَهْدِ؛ عَلى وجْهٍ يَشْمَلُ العُلَماءَ؛ بَعْدَ الإخْبارِ بِسَماعِ الأذى المُتَضَمِّنِ لِنَقْضِهِمْ لِلْعَهْدِ؛ فَكانَ التَّذْكِيرُ بِهَذا المِيثاقِ كالدَّلِيلِ عَلى (p-١٥١)مَضْمُونِ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَها؛ وكَأنَّهُ قِيلَ: ”فاذْكُرُوا قَوْلِي لَكُمْ؛“لَتُبْلَوُنَّ”؛ واجْعَلُوهُ نُصْبَ أعْيُنِكُمْ؛ لِتُوَطِّنُوا أنْفُسَكم عَلَيْهِ؛ فَلا يَشْتَدَّ جَزَعُكم بِحُلُولِ ما يَحُلُّ مِنهُ“؛ و؛ اذْكُرُوا؛ إذْ أخَذَ اللَّهُ؛ الَّذِي لا عَظِيمَ إلّا هُوَ؛ ﴿مِيثاقَ الَّذِينَ﴾؛ ولَمّا كانَتِ الخِيانَةُ مِنَ العالِمِ أشْنَعَ؛ وكانَ ذِكْرُ العِلْمِ دُونَ تَعْيِينِ المُعْلَمِ كافِيًا في ذَلِكَ؛ بَنى لِلْمَجْهُولِ قَوْلَهُ: ﴿أُوتُوا الكِتابَ﴾؛ أيْ: في البَيانِ؛ فَخافُوا؛ فَما آذَوْا إلّا أنْفُسَهُمْ؛ وإذا آذَوْا أنْفُسَهم بِخِيانَةِ عَهْدِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - كانُوا في أذاكم أشَدَّ؛ وإلَيْهِ أسْرَعَ؛ أوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: ”واذْكُرُوا ما أخْبَرْتُكم بِهِ؛ عِنْدَما أُنْزِلُهُ بِكُمْ؛ واصْبِرُوا لِتَفُوزُوا؛ واذْكُرُوا إذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ مَن قَبْلَكُمْ؛ فَضَيَّعُوهُ؛ كَيْلا تَفْعَلُوا فِعْلَهُمْ؛ فَيَحِلَّ بِكم ما حَلَّ بِهِمْ مِنَ الذُّلِّ؛ والصَّغارِ في الدُّنْيا؛ مَعَ ما يُدَّخَرُ في الآخِرَةِ مِن عَذابِ النّارِ“. هَذا ما كانَ ظَهَرَ لِي أوَّلًا؛ ثُمَّ بانَ أنَّ الَّذِي لا مَعْدِلَ عَنْهُ أنَّهُ لَمّا انْقَضَتْ قِصَّةُ ”أُحُدٍ“؛ وما تَبِعَها؛ إلى أنْ خُتِمَتْ بَعْدَ الوَعْظِ بِتَحَتُّمِ المَوْتِ؛ الَّذِي فَرَّ مَن فَرَّ مِنهم مِنهُ؛ وخَوَّفَ الباقِينَ أمْرُهُ؛ بِمِثْلِ ما تَقَدَّمَ؛ أنَّهُ جَعَلَها (p-١٥٢)دَلِيلًا عَلَيْهِ؛ مِن بُغْضِ أهْلِ الكِتابِ؛ وما تَبِعَهُ؛ عَطَفَ عَلى ”إذْ“؛ المُقَدَّرَةِ - لِعَطْفِ ﴿وإذْ غَدَوْتَ﴾ [آل عمران: ١٢١]؛ عَلَيْها - قَوْلَهُ: ﴿وإذْ أخَذَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: اذْكُرُوا ذَلِكَ؛ يَدُلَّكم عَلى عَداوَتِهِمْ؛ واذْكُرُوا ما صَحَّ عِنْدَكم مِن إخْبارِ اللَّهِ (تَعالى) المُشاهَدِ؛ بِإخْبارِ مَن أسْلَمَ مِنَ الأحْبارِ؛ والقِسِّيسِينَ أنَّ اللَّهَ أخَذَ ﴿مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾؛ أيْ: مِنَ اليَهُودِ؛ والنَّصارى؛ بِما أكَّدَ في كُتُبِهِ؛ وعَلى ألْسِنَةِ رُسُلِهِ: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾؛ أيْ: الكِتابَ؛ ﴿لِلنّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ﴾؛ أيْ: نَصِيحَةً مِنهم لِلَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - ولِرَسُولِهِ ﷺ؛ ولِأئِمَّةِ المُؤْمِنِينَ؛ وعامَّتِهِمْ؛ لِيُؤْمِنُوا بِالنَّبِيِّ المُبَشَّرِ بِهِ؛ ﴿فَنَبَذُوهُ﴾؛ أيْ: المِيثاقَ؛ بِنَبْذِ الكِتابِ؛ ﴿وراءَ ظُهُورِهِمْ﴾؛ حَسَدًا لَكُمْ؛ وبُغْضًا؛ وهو تَمْثِيلٌ لِتَرْكِهِمُ العَمَلَ بِهِ؛ لِأنَّ مَن تَرَكَ شَيْئًا وراءَهُ نَسِيَهُ؛ ﴿واشْتَرَوْا بِهِ﴾؛ ولَمّا كانَ الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَوْهُ خَسارَةً؛ لا رِبْحَ فِيهِ أصْلًا؛ عَلى العَكْسِ مِمّا بَذَلُوهُ؛ عَلى أنَّهُ ثَمَنٌ؛ وكانَ الثَّمَنُ إذا نَضَّ زالَتْ مَظِنَّةُ الرِّبْحِ مِنهُ؛ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثَمَنًا﴾؛ وزادَ في بَيانِ سَفَهِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿قَلِيلا﴾؛ أيْ: بِالِاسْتِكْثارِ مِنَ المالِ؛ والِاسْتِئْمارِ لِلرِّئاسَةِ؛ فَكَتَمُوا ما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ بِهَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ؛ ﴿فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ﴾؛ أيْ: لِأنَّهُ مَعَ فَنائِهِ أوْرَثَهُمُ العارَ الدّائِمَ؛ والنّارَ (p-١٥٣)الباقِيَةَ؛ وعَبَّرَ عَنْ هَذا الأخْذِ بِالشِّراءِ؛ إعْلامًا بِلَجاجِهِمْ فِيهِ؛ ونَبَّهَ بِصِيغَةِ الِافْتِعالِ عَلى مُبالَغَتِهِمْ في اللَّجاجِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب