الباحث القرآني

ولَمّا سَلّى اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - نَبِيَّهُ ﷺ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ لَهُ بِما لَقِيَ إخْوانُهُ مِنَ الرُّسُلِ؛ وبِأنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الِانْقِلابِ إلَيْهِ؛ فَيَفُوزُ مَن كانَ مِن أهْلِ حِزْبِهِ؛ ويَشْقى مَن والى أعْداءَهُ؛ وذَوِي حِزْبِهِ؛ أعادَ التَّسْلِيَةَ عَلى وجْهٍ يَشْمَلُ المُؤْمِنِينَ؛ وساقَها مَساقَ الإخْبارِ بِحُلُولِ المَصائِبِ الكِبارِ الَّتِي هي مِن شَعائِرِ الأخْيارِ؛ في دارِ الأكْدارِ؛ المُعْلِيَةِ لَهم في دارِ القَرارِ؛ فَقالَ - مُؤَكِّدًا لِأنَّ الواقِفَ في الخِدْمَةِ يُنْكِرُ أنْ يُصِيبَهُ مَعْبُودُهُ بِسُوءٍ؛ هَذا طَبْعُ البَشَرِ؛ وإنْ تَطَبَّعَ بِخِلافِهِ؛ وأفادَ ذِكْرُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ تَهْوِينَهُ؛ بِتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَيْهِ؛ وأفادَ بِناؤُهُ لِلْمَفْعُولِ أنَّ المُنَكّى البَلاءُ؛ لا كَوْنُهُ مِن جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ -: ﴿لَتُبْلَوُنَّ﴾؛ أيْ: تُعامَلُونَ مُعامَلَةَ المُخْتَبَرِ؛ لِتَبْيِينِ المُؤْمِنِ مِنَ المُنافِقِ؛ ﴿فِي أمْوالِكُمْ﴾؛ أيْ: بِأنْواعِ الإنْفاقِ؛ ﴿وأنْفُسِكُمْ﴾؛ أيْ: بِالإصابَةِ في الجِهادِ؛ وغَيْرِهِ؛ فَكَما نالَكم ما نالَكم مِنَ الأذى بِإذْنِي؛ لَيَلْحَقَنَّكم بَعْدَهُ مِنَ الأذى ما أمْضَيْتُ بِهِ سُنَّتِي في خُلَّصِ عِبادِي؛ وذَوِي مَحَبَّتِي؛ وكانَ إيلاءُ ذَلِكَ لِلْآيَةِ الَّتِي فِيها الإشارَةُ إلى أنَّ تَوْفِيَةَ الأُجُورِ لِلْأعْمالِ الصّالِحَةِ مِمّا يُنِيلُ (p-١٤٩)الفَوْزَ؛ مُناسِبًا مِن حَيْثُ التَّرْغِيبُ في كُلِّ ما يَكُونُ سَبَبًا لِذَلِكَ؛ مِنَ الصَّبْرِ عَلى ما يَبْتَلِي بِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - مِن كُلِّ ما يَأْمُرُ بِهِ مِنَ التَّكالِيفِ؛ أوْ يَأْذَنُ فِيهِ مِنَ المَصائِبِ؛ وقَدَّمَ المالَ لِأنَّهُ - كَما قِيلَ - عَدِيلُ الرُّوحِ؛ ورُبَّما هانَ عَلى الإنْسانِ المَوْتُ دُونَ الفَقْرِ المُؤَدِّي إلى الذُّلِّ؛ بِالشَّماتَةِ والعارِ؛ بِما تُقَصِّرُ عَنْهُ يَدُهُ بِفَقْدِهِ مِن أفْعالِ المَكارِمِ؛ وما أحْسَنَ ذِكْرَ هَذِهِ الآيَةِ إثْرَ قِصَّةِ ”أُحُدٍ“؛ الَّتِي وقَعَ فِيها القَتْلُ؛ بِسَبَبِ الإقْبالِ عَلى المالِ؛ وكانَ ذِكْرُها تَعْلِيلًا لِبَغَضَةِ أهْلِ الكِتابِ؛ وغَيْرِهِمْ مِنَ الكُفّارِ. ولَمّا كانَ يَوْمُها يَوْمَ بَلاءٍ وتَمْحِيصٍ؛ وكانَ رُبَّما أطْمَعَ في العافِيَةِ بَعْدَهُ؛ فَتَوَطَّنَتِ النَّفْسُ عَلى ذَلِكَ؛ فاشْتَدَّ انْزِعاجُها بِما يَأْتِي مِن أمْثالِهِ؛ ولَيْسَ ذَلِكَ مِن أخْلاقِ المُشَمِّرِينَ؛ أرادَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - تَوْطِينَ النُّفُوسِ عَلى ما طُبِعَتْ عَلَيْهِ الدّارُ مِنَ الأثْقالِ؛ والآصارِ؛ فَأخْبَرَ أنَّ البَلاءَ لَمْ يَنْقُصْ بِهِ؛ بَلْ لا بُدَّ بَعْدَهُ مِن بَلايا؛ وسَماعِ أذًى مِن سائِرِ الكُفّارِ؛ ورَغَّبَ في شِعارِ المُتَّقِينَ؛ الصَّبْرِ؛ الَّذِي قَدَّمَهُ في أوَّلِ السُّورَةِ؛ ثُمَّ قَبْلَ قِصَّةِ ”أُحُدٍ“؛ وبَناها عَلَيْهِ؛ مُعْلِمًا أنَّهُ مِمّا يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْزَمَ عَلَيْهِ؛ ولا يُتَرَدَّدُ فِيهِ؛ فَقالَ: ﴿ولَتَسْمَعُنَّ﴾؛ أيْ: بَعْدَ هَذا اليَوْمِ؛ ﴿مِنَ الَّذِينَ﴾؛ ولَمّا كانَ المُرادُ تَسْوِيَةَ العالِمِ بِالجاهِلِ في الذَّمِّ؛ نَزَّهَ المُعْلَمَ عَنِ الذِّكْرِ؛ فَبَنى لِلْمَفْعُولِ؛ (p-١٥٠)قَوْلَهُ: ﴿أُوتُوا الكِتابَ﴾ [آل عمران: ١٨٧]؛ ولَمّا كانَ إيتاؤُهم لَهُ لَمْ يَسْتَغْرِقِ الزَّمَنَ الماضِيَ؛ أدْخَلَ الجارَّ؛ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾؛ أيْ: مِنَ اليَهُودِ؛ والنَّصارى؛ ﴿ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا﴾؛ أيْ: مِنَ الأُمِّيِّينَ؛ ﴿أذًى كَثِيرًا﴾؛ أيْ: مِنَ الطَّعْنِ في الدِّينِ؛ وغَيْرِهِ؛ بِسَبَبِ هَذِهِ الوَقْعَةِ؛ أوْ غَيْرِها؛ ﴿وإنْ تَصْبِرُوا﴾؛ أيْ: تَتَخَلَّقُوا بِالصَّبْرِ عَلى ذَلِكَ؛ وغَيْرِهِ؛ ﴿وتَتَّقُوا﴾؛ أيْ: وتَجْعَلُوا بَيْنَكُمْ؛ وبَيْنَ ما يُسْخِطُ اللَّهَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - وِقايَةً؛ بِأنْ تَغُضُّوا عَنْ كَثِيرٍ مِن أجْوِبَتِهِمُ اعْتِمادًا عَلى رَدِّهِمْ بِالسُّيُوفِ؛ وإنْزالِ الحُتُوفِ؛ ﴿فَإنَّ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الأمْرَ العالِي الرُّتْبَةِ؛ ﴿مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾؛ أيْ: الأشْياءِ الَّتِي هي أهْلٌ لِأنْ يُعْزَمَ عَلى فِعْلِها؛ ولا يُتَرَدَّدَ فِيهِ؛ ولا يَعُوقَ عَنْهُ عائِقٌ؛ فَقَدْ خُتِمَتْ قِصَّةُ ”أُحُدٍ“؛ بِمِثْلِ ما سُبِقَتْ؛ دَلِيلًا عَلَيْهِ؛ مِن قَوْلِهِ: ﴿قَدْ بَدَتِ البَغْضاءُ مِن أفْواهِهِمْ﴾ [آل عمران: ١١٨]؛ إلى أنْ خَتَمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٢٠]؛ ما أخْبَرَ بِهِ هُنا بِأنَّهُ مِن عَزْمِ الأُمُورِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب