الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مِن جُمْلَةِ مَبانِي السُّورَةِ الإنْفاقُ؛ وتَقَدَّمَ في غَيْرِ آيَةِ مَدْحُ المُتَّقِينَ بِهِ؛ وحَثُّهم عَلَيْهِ؛ وتَقَدَّمَ أنَّ الكُفّارَ سارَعُوا في الكُفْرِ؛ أبُو سُفْيانَ بِالإنْفاقِ في سَبِيلِ الشَّيْطانِ عَلى مَن يَخْذُلُ الصَّحابَةَ؛ ونُعَيْمٌ؛ أوْ عَبْدُ القَيْسِ؛ بِالسَّعْيِ في ذَلِكَ؛ وكانَ المُبادِرُونَ إلى الجِهادِ قَدْ تَضَمَّنَ فِعْلُهُمُ السَّماحَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنَ الأنْفُسِ؛ والأمْوالِ؛ وكانَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - قَدْ أخْبَرَ بِما لَهم عِنْدَهُ مِنَ الحَياةِ الَّتِي هي خَيْرٌ مِن حَياتِهِمُ الَّتِي أذْهَبُوها في حُبِّهِ؛ والرِّزْقِ الَّذِي هو أفْضَلُ مِمّا أنْفَقُوا في سَبِيلِهِ؛ ذَمَّ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - الباخِلِينَ بِالأنْفُسِ؛ والأمْوالِ في سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَقالَ - رادًّا الخِطابَ إلَيْهِ ﷺ؛ لِأنَّهُ أمْكَنُ لِسُرُورِهِ؛ وأوْثَقُ في إنْجازِ الوَعْدِ -: ولا تَحْسَبَنَّ؛ أيْ: أنْتَ؛ يا خَيْرَ البَرِيَّةِ - هَذا عَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ؛ وعِنْدَ الباقِينَ الفاعِلُ المَوْصُولُ في قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾؛ أيْ: عَنِ الحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ؛ ﴿بِما آتاهُمُ اللَّهُ﴾؛ أيْ: بِجَلالِهِ؛ وعِزِّ كَمالِهِ؛ ﴿مِن فَضْلِهِ﴾؛ أيْ: لِاسْتِحْقاقِهِمْ لَهُ؛ بِبُخْلِهِمْ؛ ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾؛ أيْ: لِتَثْمِيرِ المالِ بِذَلِكَ؛ (p-١٣٨)﴿بَلْ هُوَ﴾؛ أيْ: البُخْلُ؛ ﴿شَرٌّ لَهُمْ﴾؛ لِأنَّهم - مَعَ جَعْلِ اللَّهِ البُخْلَ مَتْلَفَةً لِأمْوالِهِمْ - ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾؛ أيْ: بِفِعْلِ مَن يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ؛ كائِنًا مَن كانَ؛ بِغايَةِ السُّهُولَةِ عَلَيْهِ؛ ﴿ما بَخِلُوا بِهِ﴾؛ أيْ: يُجْعَلُ لَهم - بِوَعْدٍ صادِقٍ؛ لا خُلْفَ فِيهِ؛ بَعْدَ الإمْلاءِ لَهم - طَوْقًا؛ بِأنْ يَجْعَلَهُ شُجاعًا؛ أيْ: حَيَّةً عَظِيمَةً مَهُولَةً؛ تَلْزَمُ الإنْسانَ مِنهُمْ؛ مُحِيطَةً بِعُنُقِهِ؛ تَضْرِبُهُ في جانِبَيْ وجْهِهِ؛ ﴿يَوْمَ القِيامَةِ﴾؛ لِأنَّ اللَّهَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - يَرِثُهُ مِنهُمْ؛ بَعْدَ أنْ كانَ خَوَّلَهم فِيهِ؛ فَيَجْعَلُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّخْوِيلِ عَذابًا عَلَيْهِمْ؛ رَوى البُخارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ - في التَّفْسِيرِ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”مَن آتاهُ اللَّهُ مالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكاتَهُ؛ مُثِّلَ لَهُ مالُهُ شُجاعًا أقْرَعَ؛ لَهُ زَبِيبَتانِ؛ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيامَةِ؛ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ -؛ يَقُولُ: أنا مالُكَ؛ أنا كَنْزُكَ“؛ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ».
ولَمّا كانَ هَذا طَلَبًا مِنهم لِلْإنْفاقِ؛ وكانَ الطّالِبُ مِنّا مُحْتاجًا إلى ما يَطْلُبُهُ؛ وكانَ ذُو المالِ إذا عَلِمَ أنَّهُ ذاهِبٌ؛ وأنَّ مالَهُ مَوْرُوثٌ عَنْهُ؛ تَصَرَّفَ فِيهِ؛ أخْبَرَ (تَعالى) بِغِناهُ عَلى وجْهٍ يُجَرِّئُهم عَلى الإنْفاقِ؛ فَقالَ - عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: ”لِأنَّهُ ثَمَرَةُ كَوْنِهِ مِن فَضْلِهِ فَلِلَّهِ كُلُّ ما في أيْدِيهِمْ“ -: ﴿ولِلَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ ﴿مِيراثُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾؛ أيْ: اللَّذَيْنِ هَذا مِمّا فِيهِما؛ بِأنْ يُعِيدَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - جَمِيعَ الأحْياءِ؛ وإنْ (p-١٣٩)أمْلى لَهُمْ؛ ويُفْنِيَ سائِرَ ما وهَبَهم مِنَ الأعْراضِ؛ ويَكُونَ هو الوارِثَ لِذَلِكَ كُلِّهِ.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الجُمَلُ في الإخْبارِ عَنِ المُغَيَّباتِ؛ دُنْيا وأُخْرى؛ وكانَ البُخْلُ مِنَ الأفْعالِ الباطِنَةِ الَّتِي يُسْتَطاعُ إخْفاؤُها؛ ودَعْوى الِاتِّصافِ بِضِدِّها؛ كانَ الخَتْمُ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ الأعْظَمُ؛ ولَمّا كانَ مَنصِبَ النَّبِيِّ ﷺ الشَّرِيفَ في غايَةِ النَّزاهَةِ؛ صَرَفَ الخِطابَ إلى الأتْباعِ؛ في قِراءَةِ غَيْرِ ابْنِ كَثِيرٍ؛ وأبِي عَمْرٍو؛ وهو أبْلَغُ في الوَعِيدِ مِن تَرْكِهِ عَلى مُقْتَضى السِّياقِ مِنَ الغَيْبَةِ في قِراءَتِهِما؛ وقَدَّمَ الجارَّ؛ إشارَةً إلى أنَّ عِلْمَهُ بِأعْمالِهِمْ بالِغٌ إلى حَدٍّ لا تُدْرَكُ عَظَمَتُهُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ أبْلَغُ في الوَعِيدِ الَّذِي اقْتَضاهُ السِّياقُ: ﴿بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
{"ayah":"وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ یَبۡخَلُونَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَیۡرࣰا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرࣱّ لَّهُمۡۖ سَیُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا۟ بِهِۦ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِیرَ ٰثُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق