الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الغُلُولُ مِن أعْظَمِ مُوجِباتِ الخِذْلانِ؛ أوْ أعْظَمَها؛ والنَّزاهَةُ عَنْهُ مِن أعْظَمِ مُوجِباتِ النَّصْرِ؛ كانَ أنْسَبُ الأشْياءِ تَعْقِيبَ هَذِهِ الآيَةِ (p-١١٠)بِآيَةِ الغُلُولِ؛ بَيانًا لِأنَّهُ كانَ سَبَبَ هَزِيمَتِهِمْ في هَذِهِ الغَزْوَةِ؛ فَإنَّهُ لا يُخْذَلُ إلّا بِالذُّنُوبِ؛ ومِن أعْظَمِ الذُّنُوبِ المُوجِبَةِ لِلْخِذْلانِ الغُلُولُ؛ فَيَكُونُ المُرادُ بِتَنْزِيهِهِ ﷺ عَنْهُ - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّ إقْبالَهم عَلى نَهْبِ الغَنائِمِ قَبْلَ وقْتِهِ؛ إمّا أنْ يَكُونَ لِقَصْدِ أنْ يَغُلُّوا بِإخْفاءِ ما انْتَهَبُوهُ؛ أوْ بَعْضِهِ؛ وإمّا أنْ يَكُونَ لِلْخَوْفِ مِن أنْ يَغُلَّ رَئِيسُهُمْ؛ وحاشاهُ؛ وإمّا أنْ يَكُونَ لِلْخَوْفِ مِن مُطْلَقِ الخِيانَةِ؛ بِألّا يُقَسِّمَهُ ﷺ بَيْنَهم عَلى السَّواءِ؛ وحاشاهُ مِن كُلِّ ذَلِكَ؛ وأمّا المُبادَرَةُ إلى النَّهْبِ لِغَيْرِ هَذا القَصْدِ؛ فَخِفَّةٌ؛ وطَيْشٌ؛ وعَبَثٌ؛ لا يُصَوَّبُ عاقِلٌ إلَيْهِ؛ إذا تَقَرَّرَ هَذا فَيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: ”فَلْيَتَوَكَّلُوا في كَبْتِ العَدُوِّ؛ وتَحْصِيلِ ما مَعَهُ مِنَ الغَنائِمِ؛ فَلا يُقْبِلُوا عَلى ذَلِكَ إقْبالًا يَتَطَرَّقُ مِنهُ احْتِمالٌ لِظَنِّ السَّوْءِ بِهادِيهِمْ في أنْ يَغُلَّ“؛ وهو الَّذِي أخْبَرَهم بِتَحْرِيمِ الغُلُولِ؛ وبِأنَّهُ سَبَبٌ لِلْخِذْلانِ؛ وما نَهى ﷺ قَطُّ عَنْ شَيْءٍ إلّا كانَ أوَّلَ تارِكٍ لَهُ؛ وبَعِيدٍ مِنهُ؛ وما كانَ يَنْبَغِي لَهم أنْ يَفْتَحُوا طَرِيقًا إلى هَذا الِاحْتِمالِ؛ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَطْفًا عَلى
﴿وكَأيِّنْ مِن نَبِيٍّ﴾ [آل عمران: ١٤٦] ﴿وما كانَ﴾؛ أيْ: ما تَأتّى؛ وما صَحَّ؛ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ؛ (p-١١١)ولا عَلى حالَةٍ مِنَ الحالاتِ؛ ﴿لِنَبِيٍّ﴾؛ أيْ: أيِّ نَبِيٍّ كانَ؛ فَضْلًا عَنْ سَيِّدِ الأنْبِياءِ؛ وإمامِ الرُّسُلِ؛ ﴿أنْ يَغُلَّ﴾؛ تَبْشِيعًا لِفِعْلِ ما يُؤَدِّي إلى هَذا الِاحْتِمالِ؛ زَجْرًا مِن مُعاوَدَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الفِعْلِ المُؤَدِّي إلى تَجْوِيزِ شَيْءٍ مِمّا ذُكِرَ؛ وعَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ - غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ؛ وأبِي عَمْرٍو - بِضَمِّ الياءِ؛ وفَتْحِ العَيْنِ؛ مَجْهُولًا مِن: ”أغَلَّ“؛ المَعْنى: ”وما كانَ لَهُ وما صَحَّ أنْ يُوجَدَ غالًّا؛ أوْ يُنْسَبَ إلى الغُلُولِ؛ أوْ يُظَنَّ بِهِ ما يُؤَدِّي إلى ذَلِكَ“؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ بَعْدَ الأمْرِ بِالتَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - وحْدَهُ: ”فَلا تَأْتُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِما يَقْدَحُ في التَّوَكُّلِ؛ كالغُلُولِ؛ وما يُدانِيهِ فَتُخْذَلُوا؛ فَإنَّهُ ما كانَ لَكم أنْ تَغُلُّوا“؛ و”ما كانَ“؛ أيْ: ما حَلَّ لِنَبِيٍّ؛ أيْ: مِنَ الأنْبِياءِ قَطُّ؛ أنْ يَغُلَّ؛ أيْ: لَمْ أخُصَّكم بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ؛ بَلْ ما كانَ في شَرْعِ نَبِيٍّ قَطُّ إباحَةُ الغُلُولِ؛ فَلا تَفْعَلُوهُ؛ ولا تُقارِبُوهُ بِنَحْوِ الِاسْتِباقِ إلى النَّهْبِ؛ فَإنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُ كَمالَ التَّوَكُّلِ؛ فَإنَّهُ مَن يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمى يُوشِكْ أنْ يُواقِعَهُ؛ فَيُوجِبَ لَهُ الخِذْلانَ؛ رَوى الطَّبَرانِيُّ في الكَبِيرِ - قالَ الهَيْثَمِيُّ - ورِجالُهُ ثِقاتٌ -: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُما - قالَ: «”بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ جَيْشًا؛ فَرُدَّتْ رايَتُهُ؛ ثُمَّ بَعَثَ؛ فَرُدَّتْ؛ ثُمَّ بَعَثَ فَرُدَّتْ بِغُلُولٍ؛ رَأْسِ غَزالٍ مِن ذَهَبٍ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿وما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَغُلَّ﴾“». (p-١١٢)ولَمّا كانَ فِعْلُهم ذَلِكَ مُحْتَمِلًا لِقَصْدِهِمُ الغُلُولَ؛ ولِخَوْفِهِمْ مِن غُلُولِ غَيْرِهِمْ؛ عَمَّمَ في التَّهْدِيدِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿ومَن يَغْلُلْ﴾؛ أيْ: يَقَعْ مِنهُ ذَلِكَ؛ كائِنًا مَن كانَ؛ ﴿يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ﴾؛ ومَن عَرَفَ كَلامَ أهْلِ اللُّغَةِ في الغُلُولِ؛ عَرَفَ صِحَّةَ قَوْلِي: إنَّهُ لِمُطْلَقِ الخِيانَةِ؛ وإنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: ”وما كانَ لِأحَدٍ أنْ يَفْعَلَ ما يُؤَدِّي - ولَوْ عَلى بُعْدٍ - إلى نِسْبَةِ نَبِيٍّ إلى غُلُولٍ“؛ قالَ صاحِبُ القامُوسِ: ”أغَلَّ فُلانًا“: نَسَبَهُ إلى الغُلُولِ؛ والخِيانَةِ؛ و”غَلَّ غُلُولًا“: خانَ؛ - كَـ ”أغَلَّ“؛ أوْ خاصٌّ بِالفَيْءِ؛ وقالَ الإمامُ عَبْدُ الحَقِّ الأشْبِيلِيُّ؛ في كِتابِهِ ”الواعِي“: ”أغَلَّ الرَّجُلُ إغْلالًا“؛ إذا خانَ؛ فَهو ”مُغِلٌ“؛ و”غَلَّ في المَغْنَمِ؛ يَغُلُّ غُلُولًا“؛ وقُرِئَ: ”أنْ يَغُلَّ“؛ و”أنْ يُغَلَّ“؛ فَمَن قَرَأ: ”يَغُلَّ“؛ أرادَ: ”يَخُونَ“؛ ومَن قَرَأ: ”يُغَلَّ“؛ أرادَ: ”يُخانَ“؛ ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ: لا يُنْسَبَ إلى الخِيانَةِ؛ وكُلُّ مَن خانَ شَيْئًا في خَفاءٍ فَقَدْ غَلَّ؛ يَغُلُّ؛ غُلُولًا؛ ويُسَمّى الخائِنُ غالًّا؛ وفي الحَدِيثِ: «”لا إغْلالَ؛ ولا إسْلالَ“؛» الإغْلالُ: الخِيانَةُ في كُلِّ شَيْءِ؛ و”غَلَلْتُ الشَّيْءَ أغُلُّهُ غَلًا“؛ إذا سَتَرْتُهُ؛ قالُوا: ومِنهُ «الغُلُولُ في المَغْنَمِ؛» إنَّما أصْلُهُ أنَّ الرَّجُلَ كانَ إذا أخَذَ مِنهُ شَيْئًا سَتَرَهُ في مَتاعِهِ؛ فَقِيلَ لِلْخائِنِ: ”غالٌّ“؛ و”مُغِلٌّ“؛ ويُقالُ: ”غَلَلْتُ الشَّيْءَ في الشَّيْءِ“؛ إذا أدْخَلْتُهُ فِيهِ؛ و”قَدِ انْغَلَّ“؛ إذا دَخَلَ في الشَّيْءِ؛ و”قَدِ انْغَلَّ في الشَّجَرِ“؛ (p-١١٣)دَخَلَ"؛ انْتَهى؛ فَهَذِهِ الآيَةُ نَهْيٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ الِاسْتِباقِ إلى المَغْنَمِ؛ عَلى طَرِيقِ الإشارَةِ؛ فَتَمَّ بِها الوَعْظُ الَّذِي في أواخِرِ القِصَّةِ؛ كَما أنَّ آيَةَ الرِّبا نَهْيٌ عَنْهُ؛ عَلى طَرِيقِ الإشارَةِ؛ فَتَمَّ بِها الوَعْظُ الَّذِي في أوائِلِ القِصَّةِ؛ فَقَدِ اكْتَنَفَ التَّنْفِيرُ مِنَ الغُلُولِ - الَّذِي هو سَبَبُ الخِذْلانِ في هَذِهِ الغَزْوَةِ؛ بِخُصُوصِها؛ لِمُباشَرَةِ ما هو مَظِنَّةٌ لَهُ؛ وفي الغَزْوِ مُطْلَقًا - طَرَفَيِ الوَعْظِ فِيها؛ لِيَكُونَ مِن أوائِلِ ما يَقْرَعُ السَّمْعَ وأواخِرِهِ.
ولَمّا كانَ ثَمَرَةُ الإتْيانِ بِهِ الجَزاءَ عَلَيْهِ؛ عَمَّمَ الحُكْمَ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ ذَلِكَ اليَوْمَ يَوْمُ الدِّينِ؛ فَلا بُدَّ مِنَ الجَزاءِ فِيهِ؛ وتَصْوِيرًا لَهُ؛ تَبْشِيعًا لِلْفَضِيحَةِ فِيهِ؛ بِحَضْرَةِ الخَلْقِ أجْمَعِينَ؛ وزادَ في تَعْظِيمِهِ؛ وتَعْظِيمِ الجَزاءِ فِيهِ بِأداةِ التَّراخِي؛ وتَضْعِيفِ الفِعْلِ؛ فَقالَ - مُعَمِّمًا الحُكْمَ؛ لِيَدْخُلَ الغُلُولُ مِن بابِ الأوْلى -: ﴿ثُمَّ تُوَفّى﴾؛ أيْ: في ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ؛ وبَناهُ لِلْمَجْهُولِ؛ إظْهارًا لِعَظَمَتِهِ؛ عَلى طَرِيقِ كَلامِ القادِرِينَ؛ ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾؛ أيْ: غالَّةٍ؛ وغَيْرِ غالَّةٍ؛ ﴿ما كَسَبَتْ﴾؛ أيْ: ما لَها فِيهِ فِعْلٌ ما؛ مِن خَيْرٍ؛ أوْ شَرٍّ؛ وافِيًا؛ مُبالِغًا في تَحْرِيزِ وفائِهِ؛ ﴿وهم لا يُظْلَمُونَ﴾؛ أيْ: لا يَقَعُ عَلَيْهِمْ ظُلْمٌ في شَيْءٍ مِنهُ؛ بِزِيادَةٍ؛ ولا نَقْصٍ.
{"ayah":"وَمَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَغُلَّۚ وَمَن یَغۡلُلۡ یَأۡتِ بِمَا غَلَّ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











