الباحث القرآني

ولَمّا كانَ قَوْلُهُمْ: ”إنّا لَوْ ثَبَتْنا في المَدِينَةِ المُمَثَّلَةِ بِالدِّرْعِ الحَصِينَةِ“ - كَما كانَ رَأْيُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والأكابِرِ مِن أصْحابِهِ؛ لَسَلِمْنا؛ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أشارَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - إلَيْهِ -؛ قَوْلًا مُوجِبًا لِغَيْظِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ لِما فِيهِ مِنَ الِاتِّهامِ؛ وسُوءِ العَقِيدَةِ؛ وكانَ مَعَ ذَلِكَ مَظِنَّةً لِأنْ يَخْدَعَ كَثِيرًا مِن أهْلِ الطّاعَةِ؛ لِشِدَّةِ حُبِّهِمْ لِمَن قُتِلَ مِنهُمْ؛ (p-١٠٣)وتَعاظُمِ أسَفِهِمْ عَلَيْهِمْ؛ كانَ أنْسَبُ الأشْياءِ المُبادَرَةَ إلى الوَعْظِ بِما يُزِيلُ هَذا الأثَرَ؛ ولَمّا كانَ الرَّسُولُ ﷺ مُؤَيَّدًا بِأعْظَمِ الثَّباتِ؛ لِما طُبِعَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّيَمِ الطّاهِرَةِ؛ والمَحاسِنِ الظّاهِرَةِ؛ كانَ الأنْسَبُ البَداءَةُ بِغَيْرِهِ؛ فَنَهى الَّذِينَ آمَنُوا عَنْ الِانْخِداعِ بِأقْوالِهِمْ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أيْ: أظْهَرُوا الإقْرارَ بِالإيمانِ؛ صَدِّقُوا قَوْلَكم بِأنْ ﴿لا تَكُونُوا كالَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أيْ: بِقُلُوبِهِمْ؛ عَلى وجْهِ السَّتْرِ؛ ﴿وقالُوا﴾؛ أيْ: ما فَضَحَهُمْ؛ ﴿لإخْوانِهِمْ﴾؛ أيْ: لِأجْلِ إخْوانِهِمُ الأعِزَّةِ عَلَيْهِمْ؛ نَسَبًا؛ أوْ مَذْهَبًا؛ ﴿إذا ضَرَبُوا﴾؛ أيْ: سافَرُوا مُطْلَقَ سَفَرٍ؛ ﴿فِي الأرْضِ﴾؛ أيْ: لِمَتْجَرٍ؛ أوْ غَيْرِهِ؛ ﴿أوْ كانُوا غُزًّى﴾؛ أيْ: غُزاةً؛ مُبالِغِينَ في الغَزْوِ في سَبِيلِ اللَّهِ؛ بِسَفَرٍ؛ أوْ غَيْرِهِ - جَمْعُ ”غازٍ“؛ فَماتُوا؛ أوْ قُتِلُوا؛ ﴿لَوْ كانُوا عِنْدَنا﴾؛ أيْ: لَمْ يُفارِقُونا؛ ﴿ما ماتُوا وما قُتِلُوا﴾؛ وهَذا في غايَةِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ؛ لِأنَّ إطْلاقَ هَذا القَوْلِ مِنهم - لا سِيَّما عَلى هَذا التَّأْكِيدِ - يَلْزَمُ مِنهُ ادِّعاءُ أنَّهُ لا يَمُوتُ أحَدٌ في المَدِينَةِ؛ وهو لا يَقُولُهُ عاقِلٌ؛ ولَمّا كانَ هَذا القَوْلُ مُحْزِنًا؛ اعْتِقادُهُ وكِتْمانُهُ؛ عَلَّقَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِقَوْلِهِ: ”قالُوا“؛ وبِانْتِفاءِ الكَوْنِ كالَّذِينِ قالُوا قَوْلَهُ: ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا كُفُؤَ لَهُ؛ ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: القَوْلَ؛ أوْ الِانْفِرادَ بِهِ عَنْ مُشارِكٍ؛ (p-١٠٤)﴿حَسْرَةً في قُلُوبِهِمْ﴾؛ أيْ: بِاعْتِقادِهِ؛ وعَدَمِ المُواسِي فِيهِ؛ وعَلى تَقْدِيرِ التَّعْلِيقِ بِـ ”قالُوا“؛ يَكُونُ مِن بابِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ؛ لِأنَّهم لَوْ لَمْ يَقُولُوهُ لِهَذا الغَرَضِ الَّذِي لا يَقْصِدُهُ عاقِلٌ؛ لَكانُوا قَدْ قالُوهُ لا لِغَرَضٍ أصْلًا؛ وذَلِكَ أعْرَقُ في كَوْنِهِ لَيْسَ مِن أفْعالِ العُقَلاءِ؛ ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: لا تَكُونُوا مِثْلَهُمْ؛ والحالُ - أوْ قالُوا ذَلِكَ والحالُ - أنَّ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ؛ ﴿يُحْيِي﴾؛ أيْ: مَن أرادَ؛ في الوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ؛ ﴿ويُمِيتُ﴾؛ أيْ: مَن أرادَ؛ إذا أرادَ؛ لا يُغْنِي حَذَرٌ مِن قَدَرِهِ؛ ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا؛ ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾؛ أيْ: بِعَمَلِكُمْ؛ وبِكُلِّ شَيْءٍ مِنهُ؛ ﴿بَصِيرٌ﴾؛ وعَلى كُلِّ شَيْءٍ مِنهُ قَدِيرٌ؛ لا يَكُونُ شَيْءٌ مِنهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ ومَتى كانَ عَلى خِلافِ أمْرِهِ عاقَبَ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب