الباحث القرآني

ولَمّا كانَ فِيهِ - مَعَ ذَلِكَ - مَعْنى التَّعْلِيلِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ الِاخْتِبارِ؛ خَبِيرٌ بِدَقائِقِ الأسْرارِ؛ أتْبَعَهُ قَوْلَهُ - مُسْتَأْنِفًا لِبَيانِ ما هو مِن ثَمَراتِ العِلْمِ -: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ﴾؛ أيْ: عَنِ القِتالِ؛ ومُقارَعَةِ الأبْطالِ؛ ﴿يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ﴾؛ أيْ: مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ والكُفّارِ؛ ﴿إنَّما اسْتَزَلَّهُمُ﴾؛ أيْ: طَلَبَ زَلَلَهم عَنْ ذَلِكَ المَقامِ العالِي؛ ﴿الشَّيْطانُ﴾؛ أيْ: عَدُوُّهُمُ البَعِيدُ مِنَ الرَّحْمَةِ؛ المُحْتَرِقُ بِاللَّعْنَةِ؛ ﴿بِبَعْضِ ما كَسَبُوا﴾؛ أيْ: مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي لا تَلِيقُ بِمَن طَلَبَ الدُّنُوَّ إلى حَضَراتِ القُدْسُ؛ ومَواطِنِ الأُنْسِ؛ مِن تَرْكِ المَرْكَزِ؛ والإقْبالِ عَلى الغَنِيمَةِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإنَّ القِتالَ في الجِهادِ إنَّما هو بِالأعْمالِ؛ (p-١٠٢)فَمَن كانَ أصْبَرَ في أعْمالِ الطّاعَةِ؛ كانَ أجْلَدَ عَلى قِتالِ الكُفّارِ؛ ولَمْ يَكُنْ تَوَلِّيهِمْ عَنْ ضَعْفٍ في نَفْسِ الأمْرِ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ مُفْهِمًا أنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا صارُوا مِن حِزْبِ الشَّيْطانِ؛ فاسْتَحَقُّوا ما اسْتَحَقَّ؛ ألْصَقَ بِهِ قَوْلَهُ: ﴿ولَقَدْ عَفا اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ؛ ﴿عَنْهُمْ﴾؛ لِئَلّا تَطِيرَ أفْئِدَةُ المُؤْمِنِينَ مِنهُمْ؛ وخَتَمَ ذَلِكَ بِبَيانِ عِلَّتِهِ مِمّا هو أهْلُهُ مِنَ الغُفْرانِ؛ والحِلْمِ؛ فَقالَ - مُعِيدًا لِلِاسْمِ الأعْظَمِ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الذَّنْبَ عَظِيمٌ؛ والخَطَرَ بِسَبَبِهِ جَسِيمٌ؛ فَلَوْلا الِاشْتِمالُ عَلى جَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ؛ لَعُوجِلُوا بِأعْظَمِ النَّكالِ؛ ﴿إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾؛ أيْ: مَحّاءٌ لِلذُّنُوبِ؛ عَيْنًا؛ وأثَرًا. ولَمّا كانَ الغَفْرُ قَدْ يَكُونُ مَعَ تَحَمُّلٍ؛ نَفاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿حَلِيمٌ﴾؛ أيْ: حَيْثُ لَمْ يُعامِلِ المُتَوَلِّينَ حَذَرَ المَوْتِ مُعامَلَةَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ - كَما تَقَدَّمَ - حَذَرَ المَوْتِ؛ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ: ﴿مُوتُوا﴾ [البقرة: ٢٤٣]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب