الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ عِلَّةَ الصَّرْفِ والعَفْوِ عَنْهُ؛ صَوَّرَهُ؛ فَقالَ: ﴿إذْ﴾؛ أيْ: صَرَفَكُمْ؛ وعَفا عَنْكُمْ؛ حِينَ ﴿تُصْعِدُونَ﴾؛ أيْ: تُزِيلُونَ الصُّعُودَ؛ فَتَنْحَدِرُونَ نَحْوَ المَدِينَةِ؛ أوْ تَذْهَبُونَ في الأرْضِ لِتَبْعُدُوا عَنْ مَحَلِّ الوَقْعَةِ؛ خَوْفًا مِنَ القَتْلِ؛ ﴿ولا تَلْوُونَ﴾؛ أيْ: تَعْطِفُونَ؛ ﴿عَلى أحَدٍ﴾؛ أيْ: مِن قَرِيبٍ؛ ولا بَعِيدٍ؛ ﴿والرَّسُولُ﴾؛ أيْ: الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لِتُجِيبُوهُ إلى كُلِّ ما يَدْعُوكم إلَيْهِ؛ وهو الكامِلُ في الرُّسُلِيَّةِ؛ ﴿يَدْعُوكم في أُخْراكُمْ﴾؛ أيْ: ساقَتَكُمْ؛ وجَماعَتَكُمُ الأُخْرى؛ وأنْتُمْ مُدْبِرُونَ؛ وهو ثابِتٌ في مَكانِهِ؛ في نَحْرِ العَدُوِّ؛ في نَفَرٍ يَسِيرٍ؛ لا يَبْلُغُونَ أرْبَعِينَ نَفْسًا - عَلى اخْتِلافِ الرِّواياتِ - وُثُوقًا بِوَعْدِ اللَّهِ؛ ومُراقَبَةً لَهُ؛ يَقُولُ - كُلَّما مَرَّتْ عَلَيْهِ جَماعَةٌ مُنْهَزِمَةٌ -: ”إلَيَّ عِبادَ اللَّهِ؛ أنا رَسُولُ اللَّهِ؛ إلَيَّ؛ إلَيَّ؛ عِبادَ اللَّهِ“؛ كَما هو اللّائِقُ بِمَنصِبِهِ الشَّرِيفِ؛ مِنَ الِاعْتِمادِ عَلى اللَّهِ؛ والوُثُوقِ بِما عِنْدَهُ؛ وعَدَّ مَن دُونَهُ مِن ولِيٍّ (p-٩٦)وعَدُوٍّ عَدَمًا؛ وإنَّما قُلْتُ: إنَّ مَعْنى ذَلِكَ الِانْهِزامُ؛ لِأنَّ الدُّعاءَ يُرادُ مِنهُ الإقْبالُ عَلى الدّاعِي؛ بَعْدَ الِانْصِرافِ عَمّا يُرِيدُهُ؛ لِيَأْمُرَ ويَنْهى؛ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أنَّهم مُوَلُّونَ عَنِ المَقْصُودِ؛ وهو القِتالُ؛ وفي التَّفْسِيرِ مِنَ البُخارِيِّ؛ عَنِ البَراءِ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ - قالَ: «”جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى الرِّجّالَةِ يَوْمَ“أُحُدٍ”؛ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ - وأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ؛ فَذاكَ إذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ في أُخْراهُمْ؛ ولَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا“». ولَمّا تَسَبَّبَ عَنِ العَفْوِ رَدُّهم عَنِ الهَزِيمَةِ إلى القِتالِ؛ قالَ (تَعالى): ﴿فَأثابَكُمْ﴾؛ أيْ: جَعَلَ لَكم رَبُّكم ثَوابًا؛ ﴿غَمًّا﴾؛ أيْ: بِاعْتِقادِكم قَتْلَ الرَّسُولِ ﷺ؛ وكانَ اعْتِقادًا كاذِبًا مُلِئْتُمْ بِهِ رُعْبًا؛ ﴿بِغَمٍّ﴾؛ أيْ: كانَ حَصَلَ لَكم مِنَ القَتْلِ؛ والجِراحِ؛ والهَزِيمَةِ؛ وسَمّاهُ - وإنْ كانَ في صُورَةِ العِقابِ - بِاسْمِ الثَّوابِ؛ لِأنَّهُ كانَ سَبَبًا لِلسُّرُورِ؛ حِينَ تَبَيَّنَ أنَّهُ خَبَرٌ كاذِبٌ؛ وأنَّ النَّبِيَّ ﷺ سالِمٌ؛ حَتّى كَأنَّهم - كَما قالَ بَعْضُهم - لَمْ تُصِبْهم مُصِيبَةٌ؛ فَهو مِنَ الدَّواءِ بِالدّاءِ؛ ثُمَّ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ﴾؛ أيْ: مِنَ النَّصْرِ؛ والغَنِيمَةِ ﴿ولا ما أصابَكُمْ﴾؛ أيْ: مِنَ القَتْلِ؛ والجِراحِ والهَزِيمَةِ؛ لِاشْتِغالِكم عَنْ ذَلِكَ (p-٩٧)بِالسُّرُورِ بِحَياةِ الرَّسُولِ ﷺ. ولَمّا قَصَّ - سُبْحانَهُ وتَعالى - عَلَيْهِمْ ما فَعَلُوهُ ظاهِرًا؛ وما قَصَدُوهُ باطِنًا؛ وما داواهم بِهِ؛ قالَ - عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: ”فاللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - خَبِيرٌ بِما يُصْلِحُ أعْمالَكُمْ؛ ويُبْرِئُ أدَواءَكُمْ“ -: ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: المُحِيطُ عِلْمًا؛ وقُدْرَةً؛ ﴿خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾؛ أيْ: مِن خَيْرٍ؛ وشَرٍّ؛ في هَذِهِ الحالِ؛ وغَيْرِها؛ وبِما يُصْلِحُ مِن جَزائِهِ؛ ودَوائِهِ؛ فَتارَةً يُداوِي الدّاءَ بِالدّاءِ؛ وتارَةً بِالدَّواءِ؛ لِأنَّهُ الفاعِلُ القادِرُ؛ المُخْتارُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب