الباحث القرآني

ولَمّا نَهى عَمّا مَنَعَ النَّصْرَ؛ بِالنَّهْيِ عَنِ الرِّبا المُرادِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ الصَّرْفُ عَنْ مُطْلَقِ الإقْبالِ عَلى الدُّنْيا؛ المُشارِ إلى ذَمِّها؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ والبَنِينَ﴾ [آل عمران: ١٤]؛ الآيَةَ؛ وأمَرَ بِما تَضَمَّنَ الفَوْزَ؛ والنَّجاةَ؛ والقُرْبَ؛ وكانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَعَ التَّوانِي؛ أمَرَ بِالمُسارَعَةِ فِيهِ (p-٧١)تَوَصُّلًا إلى ما أعَدَّ لِلَّذِينِ اتَّقَوُا؛ المَوْعُودِينَ بِالنَّصْرِ المَشْرُوطِ بِتَقْواهُمْ؛ وصَبْرِهِمْ؛ في قَوْلِهِ: ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٥] ﴿وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا﴾ [آل عمران: ١٢٠]؛ المَوْصُوفِينَ بِما تَقَدَّمَ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى) - في المَقْصِدِ الثّالِثِ مِن دَعائِمِ هَذِهِ السُّورَةِ -: ﴿قُلْ أأُنَبِّئُكم بِخَيْرٍ مِن ذَلِكم لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ [آل عمران: ١٥]؛ الآياتِ؛ عَلى وجْهٍ أبْلَغَ مِن ذَلِكَ؛ بِالمُسارَعَةِ إلى ما يُوجِبُ المَغْفِرَةَ مِنَ الرَّبِّ؛ اللَّطِيفِ بِعِبادِهِ؛ وإلى ما يُبِيحُ الجَنَّةَ المَوْصُوفَةَ بِالِاجْتِهادِ في الجِهادِ؛ عَلى ما يَجِدُ رَسُولُ اللَّـهِ - صَلّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مِنَ التَّقْوى؛ فَإنَّ هَذِهِ الجَنَّةَ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَتِ الإشارَةُ إلَيْهِمْ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٠]؛ الَّذِينَ يَتَخَلَّوْنَ عَنِ الأمْوالِ؛ وجَمِيعِ مَصانِعِ الدُّنْيا؛ فَلا تَمْتَدُّ أعْيُنُهم إلى الِازْدِيادِ مِن شَيْءٍ مِنها؛ ويَتَحَلَّوْنَ بِالزُّهْدِ فِيها؛ والإنْفاقِ لَها في سَبِيلِ اللَّهِ؛ في مَرْضاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الجِهادِ؛ وغَيْرِهِ؛ في السَّرّاءِ؛ والضَّرّاءِ؛ لا بِالإقْبالِ عَلى الدُّنْيا مِن غَنِيمَةٍ؛ أوْ غَيْرِها؛ إقْبالًا يُخِلُّ بِبَعْضِ الأوامِرِ؛ وبِالصَّبْرِ بِكَظْمِ الغَيْظِ عَمَّنْ أُصِيبَ مِنهم بِقَتْلٍ؛ أوْ جِراحَةٍ؛ والعَفْوِ عَمَّنْ (p-٧٢)يَحْسُنُ العَفْوُ عَنْهُ في التَّمْثِيلِ بِالقَتْلِ في ”أُحُدٍ“؛ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ إرْشادًا إلى ألّا يَكُونَ جِهادُهم إلّا غَضَبًا لِلَّهِ (تَعالى)؛ لا مَدْخَلَ فِيهِ لِحَظٍّ مِن حُظُوظِ النَّفْسِ أصْلًا؛ وبِالصَّبْرِ أيْضًا عَلى حَمْلِ النَّفْسِ عَلى الإحْسانِ إلى مَن أساءَ بِذَلِكَ؛ أوْ غَيْرِهِ؛ كَما فَعَلَ ﷺ في فَتْحِ مَكَّةَ؛ بَعْدَ أنْ كانَ حَلَفَ لَيُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنهم مَكانَ تَمْثِيلِهِمْ بِسَيِّدِ الشُّهَداءِ؛ أسَدِ اللَّهِ؛ وأسَدِ رَسُولِهِ؛ عَمِّهِ حَمْزَةَ؛ ابْنِ ساقِي الحَجِيجِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ فَإنَّهُ وقَفَ ﷺ في ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي كانَ أعْظَمَ أيّامِ الدُّنْيا؛ الَّذِي أثْبَتَ فِيهِ نُورَ الإسْلامِ عَلى مَشْرِقِ الأرْضِ؛ ومَغْرِبِها؛ فَهَزَمَ ظَلامَ الكُفْرِ؛ وضَرَبَ أوْتادَهُ في كُلِّ قُطْرٍ؛ عَلى دَرَجِ الكَعْبَةِ؛ وهم في قَبْضَتِهِ؛ فَقالَ: «”ما تَظُنُّونَ أنِّي فاعِلٌ بِكم يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟“؛ قالُوا: خَيْرًا؛ أخٌ كَرِيمٌ؛ وابْنُ أخٍ كَرِيمٍ؛ قالَ: ”اذْهَبُوا فَأنْتُمُ الطُّلَقاءُ“؛» وبِالِاسْتِغْفارِ عَنْ عَمَلِ الفاحِشَةِ مِن خِذْلانِ المُؤْمِنِينَ؛ أوْ أكْلِ الرِّبا؛ أوِ التَّوَلِّي عَنْ قِتالِ الأعْداءِ؛ وعَنْ ظُلْمِ النَّفْسِ مِن مَحَبَّةِ الدُّنْيا؛ المُوجِبِ لِلْإقْبالِ عَلى الغَنائِمِ الَّتِي كانَتْ سَبَبَ الِانْهِزامِ؛ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ مِمّا أرادَ اللَّهُ (تَعالى)؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وسارِعُوا﴾؛ أيْ: بِأنْ تَفْعَلُوا في الطّاعاتِ فِعْلَ مَن يُسابِقُ خَصْمًا؛ ﴿إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ﴾؛ أيْ: المُحْسِنِ إلَيْكُمْ؛ بِإرْسالِ الرُّسُلِ؛ وإنْزالِ الكُتُبِ؛ بِعَمَلِ ما يُوجِبُها؛ مِنَ التَّوْبَةِ؛ والإخْلاصِ؛ وكُلِّ ما يُزِيلُ العِقابَ؛ ﴿وجَنَّةٍ﴾؛ أيْ: عَظِيمَةٍ جِدًّا؛ بِعَمَلِ كُلِّ ما يُحَصِّلُ (p-٧٣)الثَّوابَ؛ ثُمَّ بَيَّنَ عِظَمَها بِقَوْلِهِ: ﴿عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ﴾؛ أيْ: كَعَرْضِهِما؛ فَكَيْفَ بِطُولِها؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كَطُولِهِما؛ فَهي أبْلَغُ مِن آيَةِ ”الحَدِيدِ“ - كَما يَأْتِي لِما يَأْتِي -؛ وعَلى قِراءَةِ ”سارِعُوا“؛ بِحَذْفِ الواوِ؛ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: ”سارِعُوا بِفِعْلِ ما تَقَدَّمَ“؛ فَهو في مَعْناهُ؛ لا مُغائِرَ لَهُ. ولَمّا وصَفَ الجَنَّةَ بَيَّنَ أهْلَها؛ بِقَوْلِهِ: ﴿أُعِدَّتْ﴾؛ أيْ: الآنَ؛ وفُرِغَ مِنها؛ ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ وهُمُ الَّذِينَ صارَتِ التَّقْوى شِعارَهُمْ؛ فاسْتَقامُوا؛ واسْتَمَرُّوا عَلى الِاسْتِقامَةِ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب