الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَ عَنْهم - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِهَذا الذُّلِّ؛ أتْبَعَهُ الإخْبارَ بِأنَّهُ في كُلِّ زَمانٍ؛ وكُلِّ مَكانِ؛ مُعامَلَةً مِنهُ لَهم بِضِدِّ ما أرادُوا؛ فَعَوَّضَهم عَنِ الحِرْصِ عَلى الرِّئاسَةِ إلْزامَهُمُ الذِّلَّةَ؛ وعَنِ الإخْلادِ إلى المالِ إسْكانَهُمُ المُسَكَنَةَ؛ وأخْبَرَ أنَّ ذَلِكَ لَهم طَوْقُ الحَمامَةِ؛ غَيْرُ مُزائِلِهِمْ إلى آخِرِ الدَّهْرِ؛ باقٍ في أعْقابِهِمْ بِأفْعالِهِمْ هَذِهِ الَّتِي لَمْ يُنابِذْهم فِيها الأعْقابُ؛ فَقالَ - سُبْحانَهُ وتَعالى – مُسْتَأْنِفًا -: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾؛ وهي الِانْقِيادُ كُرْهًا؛ وأحاطَتْ بِهِمْ كَما يُحِيطُ البَيْتُ المَضْرُوبُ بِساكِنِهِ؛ ﴿أيْنَما ثُقِفُوا﴾ [الأحزاب: ٦١]؛ أيْ (p-٢٩)وجَدَهم مَن هو حاذِقٌ؛ خَفِيفٌ؛ فَطِنٌ؛ في كُلِّ مَكانٍ؛ وعَلى كُلِّ حالٍ؛ ﴿إلا﴾؛ حالَ كَوْنِهِمْ مُعْتَصِمِينَ؛ ﴿بِحَبْلٍ﴾؛ أيْ: عَهْدٍ وثِيقٍ مُسَبِّبٍ لِلْأمانِ؛ وهو عَهْدُ الجِزْيَةِ؛ وما شاكَلَهُ؛ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الحائِزِ لِجَمِيعِ العَظَمَةِ؛ ﴿وحَبْلٍ مِنَ النّاسِ﴾؛ أيْ: قاطِبَةً: الَّذِينَ آمَنُوا وغَيْرِهِمْ؛ مُوافِقٍ لِذَلِكَ الحَبْلِ الَّذِي مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى.
ولَمّا كانَ الذُّلُّ رُبَّما كانَ مَعَ الرِّضا؛ ولَوْ مِن وجْهٍ؛ قالَ: ﴿وباءُوا﴾؛ أيْ: رَجَعُوا عَمّا كانُوا فِيهِ مِنَ الحالِ الصّالِحِ؛ ﴿بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾؛ المَلِكِ الأعْظَمِ؛ مُلازِمٍ لَهُمْ؛ ولَمّا كانَ الوَصْفانِ قَدْ يَصْحَبُهُما اليَسارُ؛ قالَ: ﴿وضُرِبَتْ﴾؛ أيْ: مَعَ ذَلِكَ ﴿عَلَيْهِمُ﴾؛ أيْ: كَما يُضْرَبُ البَيْتُ؛ ﴿المَسْكَنَةُ﴾؛ أيْ: الفَقْرُ؛ لِيَكُونُوا بِهَذِهِ الأوْصافِ أعْرَقَ شَيْءٍ في الذُّلِّ؛ فَكَأنَّهُ قِيلَ: ”لِمَ اسْتَحَقُّوا ذَلِكَ؟“؛ فَقِيلَ: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الإلْزامُ لَهم بِما ذُكِرَ؛ ﴿بِأنَّهُمْ﴾؛ أيْ: أسْلافَهُمُ الَّذِينَ رَضُوا هم فِعْلَهُمْ؛ ﴿كانُوا يَكْفُرُونَ﴾؛ أيْ: يُجَدِّدُونَ الكُفْرَ مَعَ الِاسْتِمْرارِ؛ ﴿بِآياتِ اللَّهِ﴾ أيْ: (p-٣٠)المَلِكِ الأعْظَمِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ وذَلِكَ أعْظَمُ الكُفْرِ؛ لِمُشاهَدَتِهِمْ لَها؛ مَعَ اشْتِمالِها مِنَ العِظَمِ عَلى ما يَلِيقُ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ؛ ﴿ويَقْتُلُونَ الأنْبِياءَ﴾؛ أيْ: الآتِينَ مِن عِنْدِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - حَقًّا؛ عَلى كَثْرَتِهِمْ؛ بِما دَلَّ عَلَيْهِ جَمْعُ التَّكْسِيرِ؛ فَهو أبْلَغُ مِمّا في أوَّلِها؛ الأبْلَغِ مِمّا في ”البَقَرَةِ“؛ لِيَكُونَ ذَمُّهم عَلى سَبِيلِ التَّرَقِّي؛ كَما هي قاعِدَةُ الحِكْمَةِ.
ولَمّا كانُوا مَعْصُومِينَ دِينًا؛ ودُنْيا؛ قالَ: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾؛ أيْ: يُبِيحُ قَتْلَهُمْ؛ ثُمَّ عَلَّلَ إقْدامَهم عَلى هَذا الكُفْرِ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الكُفْرُ؛ والقَتْلُ العَظِيمانِ؛ ﴿بِما عَصَوْا وكانُوا﴾؛ أيْ: جِبِلَّةً؛ وطَبْعًا؛ ﴿يَعْتَدُونَ﴾؛ أيْ: يُجَدِّدُونَ تَكْلِيفَ أنْفُسِهِمْ الِاعْتِداءَ؛ فَإنَّ الإقْدامَ عَلى المَعاصِي؛ والِاسْتِهانَةَ بِمُجاوَزَةِ الحُدُودِ يُهَوِّنُ الكُفْرَ؛ فَقالَ الأصْفَهانِيُّ: قالَ أرْبابُ المُعامَلاتِ: مَنِ ابْتُلِيَ بِتَرْكِ الآدابِ؛ وقَعَ في تَرْكِ السُّنَنِ؛ ومَنِ ابْتُلِيَ بِتَرْكِ السُّنَنِ وقَعَ في تَرْكِ الفَرائِضِ؛ ومَنِ ابْتُلِيَ بِتَرْكِ الفَرائِضِ وقَعَ في اسْتِحْقارِ الشَّرِيعَةِ؛ ومَنِ ابْتُلِيَ بِذَلِكَ وقَعَ في الكُفْرِ؛ والآيَةُ دَلِيلٌ عَلى مُؤاخَذَةِ الِابْنِ الرّاضِي بِذَنْبِ الأبِ؛ وإنْ عَلا؛ وذَلِكَ طِبْقَ ما رَأيْتُهُ في تَرْجَمَةِ التَّوْراةِ الَّتِي بَيْنَ أيْدِيهِمُ الآنَ؛ قالَ في السِّفْرِ الثّانِي: وقالَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ (p-٣١)وتَعالى - جَمِيعَ هَذِهِ الآياتِ؛ كُلَّها: (أنا الرَّبُّ؛ إلَهُكَ الَّذِي أصْعَدْتُكَ مِن أرْضِ مِصْرَ مِنَ العُبُودِيَّةِ والرِّقِّ؛ لا تَكُونُ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرى؛ لا تَعْمَلَنَّ شَيْئًا مِنَ الأصْنامِ والتَّماثِيلِ الَّتِي مِمّا في السَّماءِ فَوْقَ؛ وفي الأرْضِ مِن تَحْتُ؛ ومِمّا في الماءِ أسْفَلَ الأرْضِ؛ لا تَسْجُدَنَّ لَها؛ ولا تَعْبُدَنَّها؛ لِأنِّي أنا الرَّبُّ؛ إلَهُكَ؛ إلَهٌ غَيُورٌ؛ أُجازِي الأبْناءَ بِذُنُوبِ الآباءِ؛ إلى ثَلاثَةِ أحْقابٍ؛ وأرْبَعَةِ خُلُوفٍ؛ وأُثْبِتُ النِّعْمَةَ إلى ألْفِ حُقْبٍ لِأحِبّائِي؛ وحافِظِي وصايايَ).
{"ayah":"ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق