الباحث القرآني
ولَمّا كانَ مِن رُجُوعِ الأُمُورِ إلَيْهِ هِدايَتُهُ مَن يَشاءُ؛ وإضْلالُهُ مَن يَشاءُ؛ قالَ - مادِحًا لِهَذِهِ الأُمَّةِ؛ لِيُمْعِنُوا في رِضاهُ حَمْدًا؛ وشُكْرًا؛ ومُؤَيِّسًا لِأهْلِ الكِتابِ عَنْ إضْلالِهِمْ لِيَزْدادُوا حَيْرَةً؛ وسُكْرًا -: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾؛ أيْ: وُجِدْتُمْ عَلى هَذا الوَصْفِ الثّابِتِ لَكُمْ؛ جِبِلَّةً؛ وطَبْعًا؛ ثُمَّ وصَفَ الأُمَّةَ بِما يَدُلُّ عَلى عُمُومِ الرِّسالَةِ؛ وأنَّهم سَيَقْهَرُونَ أهْلَ الكِتابِ؛ فَقالَ: ﴿أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾؛ ثُمَّ بَيَّنَ وجْهَ الخَيْرِيَّةِ بِما لَمْ يَحْصُلْ؛ مَجْمُوعَةً لِغَيْرِهِمْ عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ المُكْنَةِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿تَأْمُرُونَ﴾؛ أيْ: عَلى سَبِيلِ التَّجَدُّدِ؛ والِاسْتِمْرارِ؛ ﴿بِالمَعْرُوفِ﴾؛ أيْ: كُلِّ ما عَرَّفَهُ الشَّرْعُ؛ وأجازَهُ؛ (p-٢٥)﴿وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾؛ وهو ما خالَفَ ذَلِكَ؛ ولَوْ وصَلَ الأمْرُ إلى القِتالِ؛ مُبَشِّرًا لَهم بِأنَّهُ قَضى في الأزَلِ أنَّهم يَمْتَثِلُونَ ما أمَرَهم بِهِ مِنَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ؛ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿ولْتَكُنْ مِنكم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤]؛ إراحَةً لَهم مِن كُلْفَةِ النَّظَرِ في أنَّهم هَلْ يَمْتَثِلُونَ فَيُفْلِحُوا؛ وإزاحَةً لِحَمْلِهِمْ أعْباءَ الخَطَرِ بِكَوْنِهِمْ يُعانُونَ عَلَيْهِ لِيَفُوزُوا؛ ويَرْبَحُوا؛ فَصارَتْ فائِدَةُ الأمْرِ كَثِيرَةَ الثَّوابِ؛ بِقَصْدِ امْتِثالِ الواجِبِ؛ ولِلتِّرْمِذِيِّ - وقالَ: حَسَنٌ - عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ؛ عَنْ أبِيهِ؛ عَنْ جَدِّهِ؛ «أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ في هَذِهِ الآيَةِ: ”أنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً؛ أنْتُمْ خَيْرُها؛ وأكْرَمُها عَلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى“؛» ولِلْبُخارِيِّ؛ في التَّفْسِيرِ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ - قالَ: ”أنْتُمْ خَيْرُ النّاسِ لِلنّاسِ؛ تَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ في أعْناقِهِمْ؛ حَتّى يَدْخُلُوا في الإسْلامِ“.
ولَمّا أخْبَرَ عَنْهم بِهَذا الوَصْفِ الشَّرِيفِ في نَفْسِهِ؛ أتْبَعَهُ ما زادَهُ شَرَفًا؛ وهو أنَّهم فَعَلُوهُ في حالِ إيمانِهِمْ؛ فَهو مُعْتَبَرٌ بِهِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ؛ (p-٢٦)الَّذِي هو أساسُ كُلِّ خَيْرٍ؛ فَقالَ ﴿وتُؤْمِنُونَ﴾؛ أيْ: تَفْعَلُونَ ذَلِكَ والحالُ أنَّكم تُؤْمِنُونَ؛ ﴿بِاللَّهِ﴾؛ أيْ: المَلِكِ الأعْلى؛ الَّذِي تاهَتِ الأفْكارُ في مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذاتِهِ؛ وارْتَدَّتْ نَوافِذُ أبْصارِ البَصائِرِ خاسِئَةً عَنْ حَصْرِ صِفاتِهِ؛ أيْ: تُصَدِّقُونَ أنْبِياءَهُ؛ ورُسُلَهُ بِسَبَبِهِ؛ في كُلِّ ما أخْبَرُوا بِهِ؛ قَوْلًا؛ وفِعْلًا؛ ظاهِرًا؛ وباطِنًا؛ وتَفْعَلُونَ جَمِيعَ أوامِرِهِ؛ وتَنْهَوْنَ عَنْ جَمِيعِ مَناهِيهِ؛ وهَذا يُفْهِمُ أنَّ مَن لَمْ يُؤْمِن كَإيمانِهِمْ؛ فَلَيْسَ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ أصْلًا؛ لِأنَّ الكَوْنَ المَذْكُورَ لا يَحْصُلُ إلّا بِجَمِيعِ ما ذُكِرَ؛ وكَرَّرَ الِاسْمَ الأعْظَمَ؛ زِيادَةً في تَعْظِيمِهِمْ؛ وقَدْ صَدَقَ اللَّهُ؛ ومَن أصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا؟!
قالَ الإمامُ أبُو عُمَرَ؛ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ البَرِّ النَّمَرِيُّ؛ في خُطْبَةِ كِتابِ الِاسْتِيعابِ: رَوى ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: ”لَمّا دَخَلَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الشّامَ؛ نَظَرَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ مِن أهْلِ الكِتابِ؛ فَقالَ: ما كانَ أصْحابُ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ الَّذِينَ قُطِّعُوا بِالمَناشِيرِ؛ وصُلِبُوا عَلى الخَشَبِ؛ بِأشَدَّ اجْتِهادًا مِن هَؤُلاءِ“؛ انْتَهى.
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ التَّقْدِيرَ: "وذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ؛ عُطِفَ عَلَيْهِ (p-٢٧)قَوْلُهُ: ﴿ولَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ﴾؛ أيْ: أوْقَعُوا الإيمانَ؛ كَما آمَنتُمْ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ؛ وجَمِيعِ ما أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ في كِتابِهِمْ؛ وغَيْرِهِ؛ ولَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ؛ ﴿لَكانَ﴾؛ أيْ: الإيمانُ؛ ﴿خَيْرًا لَهُمْ﴾؛ إشارَةً إلى تَسْفِيهِ أحْلامِهِمْ؛ في وُقُوفِهِمْ مَعَ ما مَنَعَهم عَنِ الإيمانِ مِنَ العَرَضِ القَلِيلِ الفانِي؛ والرِّئاسَةِ التّافِهَةِ؛ وتَرْكِهِمُ الغِنى الدّائِمَ؛ والعِزَّ الباهِرَ الثّابِتَ.
ولَمّا كانَ هَذا رُبَّما أوْهَمَ أنَّهُ لَمْ يُؤْمِن مِنهم أحَدٌ؛ قالَ - مُسْتَأْنِفًا -: ﴿مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ﴾؛ أيْ: الثّابِتُونَ في الإيمانِ؛ ولَكِنَّهم قَلِيلٌ؛ ﴿وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾؛ أيْ: الخارِجُونَ مِن رُتْبَةِ الأوامِرِ والنَّواهِي؛ خُرُوجًا يَضْمَحِلُّ مَعَهُ خُرُوجُ غَيْرِهِمْ؛
{"ayah":"كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق