﴿فَكُلا﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ وعِصْيانِهِمْ أنَّ كُلًّا مِنهم ﴿أخَذْنا﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿بِذَنْبِهِ﴾ أخْذَ عُقُوبَةٍ لِيَعْلَمَ أنَّهُ لا أحَدَ يُعْجِزُنا ﴿فَمِنهم مَن أرْسَلْنا عَلَيْهِ﴾ إرْسالَ عَذابٍ يا لَهُ مِن عَذابٍ! ﴿حاصِبًا﴾ أيْ: رِيحًا تَرْمِي لِقُوَّةِ عَصْفِها وشِدَّةِ قَصْفِها بِالحِجارَةِ كَعادٍ وقَوْمِ لُوطٍ ﴿ومِنهم مَن أخَذَتْهُ﴾ أخْذَ هَلاكٍ وغَضَبٍ وعَذابٍ، [وعَدَلَ عَنْ أُسْلُوبِ العَظْمَةِ لِئَلّا يُوهِمَ الإسْنادُ في هَذِهِ إلَيْهِ صَوْتًا لِيُوقِعَ في مُصِيبَةِ التَّشْبِيهِ] ﴿الصَّيْحَةُ﴾ الَّتِي تُظْهِرُ شِدَّتُها الرِّيحَ الحامِلَةَ لَها المُوافِقَةَ (p-٤٤٠)لِقَصْدِها فَتَرْجُفُ لِعَظْمَتِها الأرْضُ كَمَدْيَنَ وثَمُودَ ﴿ومِنهم مَن﴾ [وأعادَ أُسْلُوبَ العَظَمَةِ الماضِي لِسَلامَتِهِ مِنَ الإيهامِ المَذْكُورِ في الصَّيْحَةِ ولِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَهُ فَفِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى عَظَمَتِهِ ما يَقْصُرُ عَنْهُ الوَصْفُ فَقالَ: ] ﴿خَسَفْنا بِهِ الأرْضَ﴾ بِأنْ غَيَّبْناهُ فِيها كَقارُونَ وجَماعَتِهِ ﴿ومِنهم مَن أغْرَقْنا﴾ بِالغَمْرِ في الماءِ كَقَوْمِ نُوحٍ وفِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ، وعَذابِ قَوْمِ لُوطٍ وصالِحٍ لِلْعَدِّ في الإغْراقِ والعَدِّ في الخَسْفِ، فَتارَةً نُهْلِكُ بِرِيحٍ تَقْذِفُ بِالحِجارَةِ مِنَ السَّماءِ كَقَوْمِ لُوطِ، أوْ مِنَ الأرْضِ كَعادٍ، وأُخْرى بِرِيحٍ تَقْرَعُ بِالصَّرْخَةِ الأسْماعَ فَتُزَلْزِلُ القُلُوبَ والبِقاعَ، ومَرَّةً نُبِيدُ بِالغَمْسِ في الكَثِيفِ وكَرَّةً بِالغَمْرِ في اللَّطِيفِ - فَلِلَّهِ دَرُّ النّاظِرِينَ في هَذِهِ الأوامِرِ النّافِذَةِ- والمُتَفَكِّرِينَ في هَذِهِ الأقْضِيَةِ الماضِيَةِ، لِيَعْلَمُوا حَقِيقَةَ قَوْلِهِ: ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ﴾ [العنكبوت: ٢٢] - [الآيَةُ].
ولَمّا كانَ ذَلِكَ رُبَّما جَرَّ لِأهْلِ التَّعَنُّتِ شَيْئًا مِمّا اعْتادُوهُ في عِنادِهِمْ قالَ: ﴿وما كانَ اللَّهُ﴾ أيْ: الَّذِي لا شَيْءَ مِنَ الجَلالِ والكَمالِ إلّا هو ولَهُ ﴿لِيَظْلِمَهُمْ﴾ أيْ: مُرِيدًا لِيُعامِلَهم مُعامَلَةَ الظّالِمِ الَّذِي يُعاقِبُ مَن لا جُرْمَ لَهُ، أوْ مَن أجْرَمَ ولَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَنْ إجْرامِهِ لِيَكُفَّ (p-٤٤١)فَيَسْلَمَ، أوْ يَتَمادى فَيَهْلَكُ لِأنَّهُ لا نَفْعَ يَصِلُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ مِن إهْلاكِهِمْ، ولا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ عَزَّ شَأْنُهُ مِن إبْقائِهِمْ ﴿ولَكِنْ كانُوا﴾ أيْ: [هُمْ] لا غَيْرُهم ﴿أنْفُسَهُمْ﴾ لا غَيْرُها ﴿يَظْلِمُونَ﴾ بِارْتِكابِهِمْ ما أخْبَرْناهم غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّهُ يُغْضِبُنا وأنّا نَأْخُذُ مَن يَفْعَلُهُ، فَلَمْ يَقْبَلُوا النُّصْحَ مَعَ عَجْزِهِمْ، ولا خافُوا العُقُوبَةَ عَلى ضَعْفِهِمْ، وأمّا ما عَبَدُوهُ ورَجَوْا نَصْرَهُ لَهم وأمَّلُوهُ فَأضْعَفَ مِنهم،
{"ayah":"فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبࣰا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}