الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّأسِّي مِن سُنَنِ الآدَمِيِّينَ، تَوَقَّعَ المُخاطَبُ بِهَذا الأمْرِ الخَبَرَ عَنْ حالِهِمْ في ذَلِكَ، فَقالَ مُؤَكِّدًا لِمَن يَظُنُّ أنَّ الِابْتِلاءَ لا يَكُونُ، لِأنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُ فَلا فائِدَةَ فِيهِ جاهِلًا بِما فِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ بِإقامَةِ الحُجَّةِ عَلى مُقْتَضى عَوائِدِ الخَلْقِ: ﴿ولَقَدْ﴾ أيْ: أحَسِبُوا والحالُ أنّا قَدْ ﴿فَتَنّا﴾ أيْ: عامَلْنا بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ مُعامَلَةَ المُخْتَبِرِ ﴿الَّذِينَ﴾ ولَمّا كانَ التَّأسِّي بِالقَرِيبِ في الزَّمانِ أعْظَمَ، أثْبَتَ الجارَّ في قَوْلِهِ: ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ: مِن قَبْلِ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أرْسَلْناكَ إلَيْهِمْ مِن أتْباعِ الأنْبِياءِ حَتّى كانَ الرَّجُلُ مِنهم يُمَشَّطُ لَحْمُهُ بِأمْشاطِ الحَدِيدِ ما يَرُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، ومِن رُؤُوسِهِمْ صاحِبُ أكْثَرِ السُّورَةِ الماضِيَةِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَفي قِصَّتِهِ حَدِيثٌ طَوِيلٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يُقالُ لَهُ حَدِيثُ الفُتُونِ وهو في مُسْنَدِ أبِي يَعْلى، ومِن آخِرِ ما ابْتُلِيَ بِهِ (p-٣٩٠)أمْرُ قارُونَ وأتْباعِهِ. ولَمّا كانَ الِامْتِحانُ سَبَبًا لِكَشْفِ مُخَبَّآتِ الإنْسانِ بَلِ الحَيَوانِ، فَيُكْرَمُ عِنْدَهُ أوْ يُهانُ، وأرْشَدَ السِّياقُ إلى أنَّ المَعْنى: فَلْنَفْتِنَنَّهم، نَسَقَ بِهِ قَوْلَهُ: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ [أيْ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ، ] بِفِتْنَةِ خَلْقِهِ، عِلْمًا شُهُودِيًّا كَما كانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ عِلْمًا غَيْبِيًّا، ويُظْهِرُهُ لِعِبادِهِ ولَوْ بُولِغَ في سَتْرِهِ، وعَبَّرَ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ الدّالِّ عَلى جَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ التِفاتًا عَنْ مَظْهَرِ العَظَمَةِ إلى أعْظَمَ مِنهُ تَنْبِيهًا لِلنّاقِصِينَ - وهم أكْثَرُ النّاسِ - عَلى أنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ، وأكَّدَ إشارَةً إلى أنَّ أكْثَرَ النّاسِ يَظُنُّ الثَّباتَ عِنْدَ الِابْتِلاءِ وأنَّهُ إذا أخْفى عَمَلَهُ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أحَدٌ﴿الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في دَعْواهُمُ الإيمانَ ولَوْ كانُوا في أدْنى مَراتِبِ الصِّدْقِ، ولِيَعْلَمَنَّ الصّادِقِينَ، وهُمُ الصّابِرُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ عِنْدَ البَلاءِ ﴿هَذا ما وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ﴾ [الأحزاب: ٢٢] فَيَكُونُ أحَدُهم عِنْدَ الرَّخاءِ بَرًّا شَكُورًا، وعِنْدَ البَلاءِ حُرًّا صَبُورًا، ولِيَعْلَمَنَّ الَّذِينَ كَذَبُوا في دَعْواهم ﴿ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ أيْ: الرّاسِخِينَ في الكَذِبِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإنْ أصابَهم خَيْرٌ اطْمَأنُّوا بِهِ وإنْ أصابَتْهم فِتْنَةٌ انْقَلَبُوا عَلى وُجُوهِهِمْ، فَظَنُّوا، فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنَ الجَزاءِ عَلى حَسَبِ ما كَشَفَ (p-٣٩١)مِنهُ البَلاءُ، والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِبارِ، عَلى تَجَدُّدِ الأعْصارِ، لِجَمْعَيِ الأخْيارِ والأشْرارِ، فَمَن لَمْ يُجاهِدْ نَفْسَهُ عِنْدَ الفِتْنَةِ فَيُطِيعُ [فِي] السَّرّاءِ والضَّرّاءِ كانَ مِنَ الكافِرِينَ فَكانَ في جَهَنَّمَ ﴿ألَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٨] ومَن جاهَدَ كانَ مِنَ المُحْسِنِينَ، والآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: دَلَّ بِالَّذِينِ صَدَقُوا عَلى الَّذِينَ كَذَبُوا، وبِالكاذِبِينَ عَلى الصّادِقِينَ، ذَكَرَ الفِعْلَ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى تَقْدِيرِ ضِدِّهِ ثانِيًا، والِاسْمَ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِ ضِدِّهِ أوَّلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب