الباحث القرآني

ولَمّا كانَ في سِياقِ الِابْتِلاءِ، وذَكَرَ مِنَ الأنْبِياءِ مَن طالَ ابْتِلاؤُهُ، (p-٤٢٥)بَيَّنَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهم مِن أُمَمِهِمْ تابِعٌ يَقْدِرُ عَلى نَصْرِهِمْ، وأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ تَوَلّى كِفايَتَهم فَلَمْ يَقْدِرْ واحِدٌ عَلى إهْلاكِهِمْ، وأهْلَكَ أعْداءَهم، فَلَمْ يَكُنْ لَهم مِن ناصِرِينَ فَقالَ: ﴿فَآمَنَ لَهُ﴾ أيْ: لِأجْلِ دُعائِهِ لَهُ مَعَ ما رَأى مِنَ الآياتِ ﴿لُوطٌ﴾ أيْ: ابْنُ أخِيهِ هارانَ وحْدَهُ، وهو أوَّلُ مَن صَدَّقَهُ مِنَ الرِّجالِ ﴿وقالَ﴾ أيْ: إبْراهِيمُ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ مُؤَكِّدًا لِما هو جَدِيرٌ بِالإنْكارِ مِنَ الهِجْرَةِ لِصُعُوبَتِها: ﴿إنِّي مُهاجِرٌ﴾ أيْ: خارِجٌ مِن أرْضِي وعَشِيرَتِي عَلى وجْهِ الهَجْرِ لَهم فَمُنْتَقِلٌ ومُنْحازٌ ﴿إلى رَبِّي﴾ أيْ: إلى أرْضٍ لَيْسَ بِها أنِيسٌ ولا عَشِيرٌ، ولا مَن تُرْجى نُصْرَتُهُ، ولا مَن تَنْفَعُ مَوَدَّتُهُ، فَحِينَئِذٍ يَتَبَيَّنُ الرِّضى بِاللَّهِ وحْدَهُ، والِاعْتِمادُ عَلَيْهِ دُونَ ما سِواهُ، فَهاجَرَ مِن كُوثى مِن سَوادِ الكُوفَةِ إلى حَرّانَ ثُمَّ مِنها إلى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ، فَكانَتْ لَهُ هِجْرَتانِ، وهو أوَّلُ مَن هاجَرَ في اللَّهِ، قالَ مُقاتِلٌ: وكانَ إذْ ذاكَ ابْنَ خَمْسٍ وسَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِما يُسَلِّيهِ عَنْ فِراقِ أرْضِهِ وأهْلِ وُدِّهِ مِن ذَوِي رَحِمِهِ وأنْسابِهِ وأُولِي قُرْبِهِ، فَقالَ مُؤَكِّدًا تَسْكِينًا لِمَن عَساهُ يَتْبَعُهُ وتَهْوِينًا عَلَيْهِ لِفِراقِ ما ألِفَتِ النُّفُوسُ مِن أنَّهُ (p-٤٢٦)لا عِزَّ إلّا بِهِ مِنَ العَشائِرِ والأمْوالِ والمَعارِفِ: ﴿إنَّهُ هُوَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿العَزِيزُ﴾ أيْ: فَهو جَدِيرٌ بِإعْزازِ مَنِ انْقَطَعَ إلَيْهِ ﴿الحَكِيمُ﴾ فَهو إذا أعَزَّ أحَدًا مَنَعَتْهُ حِكْمَتُهُ مِنَ التَّعَرُّضِ لَهُ بِإذْلالٍ، بِفِعْلٍ أوْ مَقالٍ، كَما صَنَعَ بِي حِينَ أرادَ إذْلالِي مَن كانَ جَدِيرًا بِإعْزازِي مِن عَشِيرَتِي وأهْلِ قُرْبِي، وبالَغَ في أذايَ: مِمَّنْ كانَ حَقِيقًا بِنَفْعِي مِن ذَوِي رَحِمِي وحُبِّي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب