الباحث القرآني

ولَمّا كانَ السِّياقُ لِلْفِتْنَةِ والأذى في اللَّهِ المُحَقَّقِ أمْرُهُ بِإذا دُونَ ”إنْ“ وكانَ الكُفّارُ يَفْتِنُونَ مَن أسْلَمَ في أوَّلِ الأمْرِ، ذَكَرَ سُبْحانَهُ بَعْضَ ما كانُوا يَقُولُونَ لَهم عِنْدَ الفِتْنَةِ جَهْلًا بِاللَّهِ وغُرُورًا، فَقالَ مُعَجِّبًا مِنهم، (p-٤٠١)عاطِفًا عَلى ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ﴾ [العنكبوت: ١٠] ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ اغْتِرارًا مِنهم بِاللَّهِ، وجُرْأةً عَلى حَماهُ المَنِيعِ ﴿لِلَّذِينَ﴾ أيْ: لِطائِفَةِ مِن يَقُولُ بِلِسانِهِ: آمَنّا بِاللَّهِ، وهُمُ الَّذِينَ ﴿آمَنُوا﴾ أيْ: حَقِيقَةً، جَهْلًا مِنهم بِما خالَطَ قُلُوبَهم مِن بَشاشَةِ الإيمانِ، وأنْوارِ العِرْفانِ: ﴿اتَّبِعُوا﴾ أيْ: كَلِّفُوا أنْفُسَكم بِأنْ تَتَّبِعُوا ﴿سَبِيلَنا﴾ أيْ: طَرِيقَ دِينِنا، وعَطَفُوا وعْدَهم في مُجازاتِهِمْ عَلى ذَلِكَ بِصِيغَةِ الأمْرِ عَلى أمْرِهِمْ بِاتِّباعِهِمْ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ مُحَقَّقٌ لا شَكَّ فِيهِ فَقالُوا: ﴿ولْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ بِوَعْدٍ صادِقٍ وأمْرٍ مَحْتُومٍ جازِمٍ، إنْ كانَ ما تَقُولُونَ حَقًّا إنَّهُ لابُدَّ لَنا مِن مَعادٍ نُؤاخَذُ فِيهِ بِالخَطايا، ولَوْ دَرَوْا لَعَمْرِي ما الخَبَرُ، يَوْمَ يَقُولُونَ: لا مَفَرَّ، ما عَرَّضُوا أنْفُسَهم لِهَذا الخَطَرِ، يَوْمَ يَوَدُّ كُلُّ امْرِئٍ لَوِ افْتَدى بِمالِهِ وبَنِيهِ، وعُرْسِهِ وأخِيهِ، وصَدِيقِهِ وأبِيهِ، ويَكُونُ كَلامُهم - وإنْ كانَ أمْرًا - بِمَعْنى الخَبَرِ لِأنَّهُ وعْدٌ كَذَّبَهُ سُبْحانَهُ لِأنَّ مَعْناهُ: إنْ كُتِبَ عَلَيْكم إثْمٌ حَمَلْناهُ عَنْكم بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ ﴿وما هُمْ﴾ أيْ: الكَفّارُ ﴿بِحامِلِينَ﴾ ظاهِرًا ولا باطِنًا ﴿مِن خَطاياهُمْ﴾ أيْ: المُؤْمِنِينَ ﴿مِن شَيْءٍ﴾ وهم يَقْدِرُونَ أنْ لا يَحْمِلُوا، أوْ حَمْلًا يُخَفِّفُ عَنْهُمُ العَذابَ، أيْ: أنَّهم إذا عايَنُوا تِلْكَ الأحْوالَ، وطاشَتْ عُقُولُهم في بِحارِ هاتِيكَ الأهْوالِ، الَّتِي لا يَقُومُ لَها الجِبالُ، (p-٤٠٢)تَبَرَّأُوا مِمَّنْ قالُوا لَهُ هَذا المَقالَ، فَقَدْ أخْبَرُوا بِما لا يُطابِقُ الواقِعَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونُوا تَعَمَّدُوا الكَذِبَ حالَ الإخْبارِ إنْ كانَتْ نِيَّتُهم أنَّهم لا يَفُونَ عَلى تَقْدِيرِ تُحَقِّقِ الجَزاءِ. ولَمّا عُلِمَ مِن هَذا كَذِبُهم بِكُلِّ حالٍ سَواءٌ تَعَمَّدُوا أوْ لا، صَرَّحَ بِهِ تَأْكِيدًا لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ، مُؤَكِّدًا لِأجْلِ ظَنِّ مَن غَرُّوهُ صِدْقَهم في قَوْلِهِ [مُسْتَأْنِفًا]: ﴿إنَّهم لَكاذِبُونَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب