الباحث القرآني

ولَمّا تَحَرَّرَ الفَرْقُ بَيْنَ أهْلِ الدّارَيْنِ، وكانَ لابُدَّ مِن إتْيانِ الآخِرَةِ، وعُلِمَ أنَّ الآخِرَةَ إنَّما هي جَزاءُ الأعْمالِ، وتَقَرَّرَ مِن كَوْنِها لِلْخائِفِينَ أنَّها عَلى الآمَنِينَ، فاسْتُؤْنِفَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ قالَ: ما لِمَن أحْسَنَ ومَن أساءَ عِنْدَ القُدُومِ؟ بِقَوْلِهِ: ﴿مَن جاءَ﴾ أيْ: في الآخِرَةِ أوِ الدُّنْيا ﴿بِالحَسَنَةِ﴾ أيْ: الحالَةِ الصّالِحَةِ ﴿فَلَهُ﴾ مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴿خَيْرٌ مِنها﴾ مِن عَشْرَةِ أضْعافٍ إلى سَبْعِينَ إلى سَبْعِمِائَةٍ إلى ما لا يُحِيطُ بِهِ إلّا اللَّهُ تَعالى ﴿ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ وهي ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ، ومِنهُ إخافَةُ المُؤْمِنِينَ ﴿فَلا يُجْزى﴾ مِن جازٍ ما، وأظْهَرَ ما في هَذا الفِعْلِ مِنَ الضَّمِيرِ العائِدِ عَلى مَن فَقالَ: ﴿الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ﴾ تَصْوِيرًا لِحالِهِمْ تَقْبِيحًا لَها وتَنْفِيرًا مِن عَمَلِها، ولَعَلَّهُ جَمَعَ هُنا وأفْرَدَ أوَّلًا إشارَةً إلى أنَّ المُسِيءَ أكْثَرُ ﴿إلا﴾ مِثْلَهُ سَواءً عَدْلًا مِنهُ تَعالى، هَكَذا كانَ الأصْلُ، ولَكِنَّهُ قالَ: ﴿ما كانُوا﴾ أيْ: بِجَمِيعِ هِمَمِهِمْ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ مُبالَغَةً في المِثْلِيَّةِ، هَذا (p-٣٧٤)فِي الآخِرَةِ، وزادَتِ الآيَةُ الإشارَةَ إلى أنَّهُ يَفْعَلُ في الدُّنْيا مِثْلَ ذَلِكَ وإنِ خَفِيَ، فَسَيَخافُونَ في حَرَمِهِمْ بِما أخافُوا المُؤْمِنِينَ فِيهِ وقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْأمْنِ، فاعْتَلُّوا عَنِ الدُّخُولِ في دِينِهِ بِخَوْفِ التَّخَطُّفِ مِن أرْضِهِمْ، فَسَيَصِيرُ عَدَمُ دُخُولِهِمْ فِيهِ سَبَبًا لِخَوْفِهِمْ وتَخَطُّفِهِمْ مِن أرْضِهِمْ فَيَعْلَمُونَ أنَّ ما كانُوا فِيهِ مِنَ الأمْنِ إنَّما هو بِسَبَبِكَ، ثُمَّ يَصِيرُونَ يَوْمَ الفَتْحِ في قَبْضَتِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب