الباحث القرآني

ولَمّا كانَ تَرَكَ الفَرَحِ سَبَبًا لِلزُّهْدِ، وهو سَبَبُ القُرْبِ إلى اللَّهِ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: وازْهَدْ فِيهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الزّاهِدِينَ ﴿وابْتَغِ﴾ أيْ: اطْلُبْ طَلَبًا تُجْهِدُ نَفْسَكَ فِيهِ ﴿فِيما آتاكَ اللَّهُ﴾ أيْ: المَلِكُ الأعْظَمُ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ مِن هَذِهِ الأمْوالِ حالَ تَمَكُّنِكَ ﴿الدّارَ الآخِرَةَ﴾ بِإنْفاقِهِ فِيما يُحِبُّهُ اللَّهُ بِحَيْثُ يَكُونُ ابْتِغاؤُكَ ذَلِكَ مَظْرُوفًا لَهُ فَيَكُونُ كالرُّوحِ والمُؤْتى كالجَسَدِ لِيَكُونَ حَيًّا بِذَلِكَ الِابْتِغاءِ، فَلا يَكُونُ مِنهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ حَياةٍ، فَإنَّ فِعْلَكَ لِذَلِكَ يُذَكِّرُكَ أنَّ هَذِهِ الدّارَ دارُ قَلْعَةٍ وارْتِحالٍ، وكُلُّ ما فِيها إلى زَوالٍ، وذَلِكَ يُوجِبُ الزُّهْدَ في جَمِيعِ ما فِيها مِنَ الأمْوالِ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ شَدِيدَ المَشَقَّةِ عَلى النُّفُوسِ مَعَ ما فِيهِ مِن شائِبَةِ الِاتِّهامِ قالُوا: ﴿ولا تَنْسَ﴾ أيْ: تَتْرُكْ تَرْكَ النّاسِي ﴿نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا﴾ تَرْكَ المَنسِيِّ، بَلِ اسْتَعْمِلِ المُباحاتِ مِنَ المَآكِلِ والمَلابِسِ والمَناكِحِ والمَساكِنِ وما يُلائِمُها، ولِيَكُنِ اسْتِعْمالُكَ لِذَلِكَ - كَما دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ - مِن غَيْرِ إسْرافٍ ولا مَخْيَلَةٍ تُوجِبُ تَرْكَ الِاتِّصافِ بِالإنْصافِ؛ وعَنْ (p-٣٥٣)عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ولا تَنْسَ صِحَّتَكَ وقُوَّتَكَ ونَشاطَكَ وغِناكَ أنْ تُطْلَبَ بِهِ الآخِرَةُ. ولَمّا أطْلَقَ لَهُ الِاقْتِصادَ في التَّمَتُّعِ بِالزّادِ، وكانَتِ النَّفْسُ مَجْبُولَةً عَلى الشَّرَهِ، فَإذا أذِنَ لَها مِنَ الدُّنْيا في نَقِيرٍ جَعَلْتَهُ أكْبَرَ كَبِيرٍ، أتْبَعُوا ذَلِكَ ما لَعَلَّهُ يَكُفُّ مِن شَرَهِها فَقالُوا: ﴿وأحْسِنْ﴾ أيْ: أوْقَعَ الإحْسانَ بِدَفْعِ المالِ إلى المَحاوِيجِ، والإنْفاقِ في جَمِيعِ الطّاعاتِ ﴿كَما أحْسَنَ اللَّهُ﴾ أيْ: الجامِعُ لِصِفاتِ الكَمالِ، المُتَرَدِّي بِرِداءِ العَظَمَةِ والجَلالِ ﴿إلَيْكَ﴾ بِأنْ تُعْطِيَ عَطاءَ مَن لا يَخافُ الفَقْرَ كَما أوْسَعَ عَلَيْكَ. ولَمّا كانَتِ النَّفْسُ مِن شَأْنِها إنْ لَمْ تُزَمَّ بِزِمامِ الشَّرْعِ الإسْرافِ والإجْحافِ، قالُوا: ﴿ولا تَبْغِ﴾ أيْ: لا تُرِدْ إرادَةً ما ﴿الفَسادَ في الأرْضِ﴾ بِتَقْتِيرٍ ولا تَبْذِيرٍ، ولا تَكَبُّرٍ عَلى عِبادِ اللَّهِ ولا تَحْقِيرٍ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ عِلَّتَهُ مُؤَكِّدًا لِأنَّ أكْثَرَ المُفْسِدِينَ يَبْسُطُ لَهم في الدُّنْيا، وأكْثَرُ النّاسِ يَسْتَبْعِدُ أنْ يَبْسُطَ فِيها لِغَيْرِ مَحْبُوبٍ، فَقِيلَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيْ: العالِمَ بِكُلِّ شَيْءٍ، القَدِيرِ عَلى كُلِّ شَيْءِ ﴿لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ﴾ أيْ: لا يُعامِلُهم مُعامَلَةَ مَن يُحِبُّهُ، فَلا يُكْرِمُهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب