الباحث القرآني

ولَمّا وعَدَ سُبْحانَهُ بِإمامَةِ بَنِي إسْرائِيلَ وقَصَّ القَصَصَ حَتّى خَتَمَ بِإمامَةِ آلِ فِرْعَوْنَ في الدُّعاءِ إلى النّارِ إعْلامًا بِأنَّ ما كانُوا عَلَيْهِ تَجِبُ مُجانَبَتُهُ ومُنابَذَتُهُ ومُباعَدَتُهُ، وكانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا بُدَّ لِكُلِّ إمامَةٍ مِن دِعامَةٍ، تَشَوَّفَتِ النَّفْسُ إلى أساسِ إمامَةِ بَنِي إسْرائِيلَ الَّتِي يَجِبُ العُكُوفُ في ذَلِكَ الزَّمانِ عَلَيْها، والتَّمَسُّكُ بِها، والمُبادَرَةُ إلَيْها، فَأخْبَرَ سُبْحانَهُ عَنْ ذَلِكَ مُقْسِمًا عَلَيْهِ [مَعَ الِافْتِتاحِ] بِحَرْفِ التَّوَقُّعِ، لِأنَّ العَرَبَ وإنْ كانُوا مُصَدِّقِينَ لِما وقَعَ مِنَ المِنَّةِ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ بِإنْقاذِهِمْ مِن يَدِ فِرْعَوْنَ (p-٣٠١)وتَمْكِينِهِمْ بَعْدَهُ، وإنْزالِ الكِتابِ عَلَيْهِمْ، فَحالُهم بِإنْكارِ التَّمْكِينِ لِأهْلِ الإسْلامِ والتَّكْذِيبِ بِكِتابِهِمْ حالُ المُكَذِّبِ بِأمْرِ بَنِي إسْرائِيلَ، لِأنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ نَبِيٍّ ونَبِيٍّ، وكِتابٍ وكِتابٍ، وناسٍ وناسٍ، لِأنَّ رَبَّ الكُلِّ واحِدٌ، فَقالَ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ الجَلالِ والجَمالِ والمَجْدِ والكَمالِ ﴿مُوسى الكِتابَ﴾ أيْ: التَّوْراةَ الجامِعَةَ لِلْهُدى والخَيْرِ في الدّارَيْنِ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: وهو أوَّلُ كِتابٍ أُنْزِلَتْ فِيهِ الفَرائِضُ والأحْكامُ. ولَمّا كانَ حُكْمُ التَّوْراةِ لا يَسْتَغْرِقُ الزَّمانَ الآتِيَ، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِ ما﴾ إشارَةً إلى أنَّ إيتاءَها إنَّما هو في مُدَّةٍ مِنَ الزَّمانِ، ثُمَّ يَنْسَخُها سُبْحانَهُ بِما يَشاءُ مِن أمْرِهِ ﴿أهْلَكْنا﴾ أيْ: بِعَظَمَتِنا ﴿القُرُونَ الأُولى﴾ أيْ: مِن قَوْمِ نُوحٍ إلى قَوْمِ فِرْعَوْنَ، ووَقَّتَها بِالهَلاكِ إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَعُمُّ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ بِالهَلاكِ بَعْدَ إنْزالِها تَشْرِيفًا لَها ولِمَن أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وأُوصِلَتْ إلَيْهِ؛ [ثُمَّ] ذَكَرَ حالَها بِقَوْلِهِ: ﴿بَصائِرَ﴾ جَمْعُ بَصِيرَةٍ، وهي نُورُ القَلْبِ، مَصابِيحَ وأنْوارًا ﴿لِلنّاسِ﴾ [العنكبوت: ٤٣] أيْ: يُبْصِرُونَ بِها ما يَعْقِلُ مِن أمْرِ مَعاشِهِمْ ومَعادِهِمْ، وأُولاهم وأُخْراهم، كَما أنَّ نُورَ العَيْنِ (p-٣٠٢)يُبْصَرُ بِهِ ما يُحْسَنُ مِن أُمُورِ الدُّنْيا. ولَمّا كانَ المُسْتَبْصِرُ قَدْ لا يَهْتَدِي لِمانِعٍ قالَ: ﴿وهُدًى﴾ [أيْ: ] لِلْعامِلِ بِها إلى كُلِّ خَيْرٍ. ولَمّا كانَ المُهْتَدِي رُبَّما حَمَلَ عَلى مَن تَوَصَّلَ إلى غَرَضِهِ، وكانَ ضارًّا، قالَ: ﴿ورَحْمَةً﴾ أيْ: نِعْمَةً هَنِيَّةً شَرِيفَةً، لِأنَّها قائِدَةٌ إلَيْها. ولَمّا ذَكَرَ حالَها، ذَكَرَ حالَهم بَعْدَ إنْزالِها فَقالَ: ﴿لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: لِيَكُونَ حالُهم حالَ مَن يُرْجى تَذَكُّرُهُ، وهَذا إشارَةً إلى أنَّهُ لَيْسَ في الشَّرائِعِ ما يَخْرُجُ عَنِ العَقْلِ بَلْ مَتى تَأمَّلَهُ الإنْسانُ تَذَكَّرَ بِهِ مِن عَقْلِهِ ما يُرْشِدُ إلى مِثْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب