الباحث القرآني

ولَمّا كانَ هَذا الكافِرُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ النَّدَمِ لِكَوْنِهِ ﷺ لَمْ يَأْتِهِ في قَتْلِهِ إذْنٌ خاصٌّ، وكانَ قَدْ أخْبَرَ عَنْهُ بِالنَّدَمِ، تَشَوَّفَتْ أنْفُسُ البُصَراءِ إلى الِاسْتِغْفارِ عَنْهُ، عِلْمًا مِنهم بِأنَّ عادَةَ الأنْبِياءِ وأهْلِ الدَّرَجاتِ العَلِيَّةِ اسْتِعْظامَ الهَفَواتِ، فَأُجِيبُوا بِالإخْبارِ عَنْ مُبادَرَتِهِ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿قالَ﴾ وأسْقَطَ أداةَ النِّداءِ، عَلى عادَةِ أهْلِ الِاصْطِفاءِ، فَقالَ: ﴿رَبِّ﴾ أيْ: أيُّها المُحْسِنُ إلَيَّ. ولَمّا كانَ حالُ المُقْدِمِ عَلى شَيْءِ دالَّةً عَلى إرادَتِهِ فاسْتِحْسانُهُ إيّاهُ، أكَّدَ قَوْلَهُ إعْلامًا بِأنَّ باطِنَهُ عَلى غَيْرِ ما دَلَّ عَلَيْهِ ظاهِرُهُ فَقالَ: ﴿إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ أيْ: بِالإقْدامِ عَلى ما لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيَّ فِيهِ [إذْنٌ] بِالخُصُوصِ وإنْ كانَ مُباحًا. ولَمّا كانَ المُقَرَّبُ قَدْ يَعُدُّ حَسَنَةَ غَيْرِهِ سَيِّئَتَهُ، قالَ مُسَبِّبًا عَنْ ذَلِكَ: ﴿فاغْفِرْ﴾ أيْ: امْحُ هَذِهِ الهَفْوَةَ عَيْنَها وأثَرَها ﴿لِي﴾ أيْ: لِأجْلِي لا تُؤاخِذْنِي ﴿فَغَفَرَ﴾ أيْ: أوْقَعَ المَحْوَ لِذَلِكَ كَما سَألَ إكْرامًا ﴿لَهُ﴾ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ (p-٢٥٨)بِقَوْلِهِ مُشِيرًا إلى أنَّ صِفَةَ غَيْرِهِ عَدَمٌ بِالنِّسْبَةِ إلى صِفَتِهِ مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ: ﴿إنَّهُ هُوَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿الغَفُورُ﴾ أيْ: البالِغُ في صِفَةِ السِّتْرِ لِكُلِّ مَن يُرِيدُ ﴿الرَّحِيمُ﴾ أيْ: العَظِيمُ الرَّحْمَةِ بِالإحْسانِ بِالتَّوْفِيقِ إلى الأفْعالِ المُرْضِيَةِ لِمَقامِ الإلَهِيَّةِ، ولِأجْلِ أنَّ هَذِهِ صِفَتُهُ، رَدَّهُ إلى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ حِينَ أرْسَلَهُ إلَيْهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلى مُؤاخَذَتِهِ بِذَلِكَ بِقَصاصٍ ولا غَيْرِهِ بَعْدَ أنْ نَجّاهُ مِنهم قَبْلَ الرِّسالَةِ عَلى غَيْرِ قِياسٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب