الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ الحَشْرَ، اسْتَدَلَّ [عَلَيْهِ] بِحَشْرِهِمْ كُلَّ لَيْلَةٍ إلى المَبِيتِ، والخَتْمِ عَلى مَشاعِرِهِمْ، وبَعْثِهِمْ مِنَ المَنامِ، وإظْهارِ الظَّلامِ الَّذِي هو كالمَوْتِ بَعْدَ النُّورِ، وبَعْثِ النُّورِ بَعْدَ إفْنائِهِ بِالظَّلامِ، فَقالَ: ﴿ألَمْ يَرَوْا﴾ مِمّا يَدُلُّهم عَلى قُدْرَتِنا عَلى بَعْثِهِمْ بَعْدَ المَوْتِ وعَلى كُلِّ ما أخْبَرْناهم بِهِ ﴿أنّا جَعَلْنا﴾ أيْ: بِعَظَمَتِنا الَّتِي لا يَصِلُ أحَدٌ إلى مُماثَلَةِ شَيْءٍ مِنها (p-٢٢٠)[الدّالَّةِ عَلى تَفَرُّدِنا وفِعْلِنا بِالِاخْتِيارِ] ﴿اللَّيْلَ﴾ أيْ: مُظْلِمًا ﴿لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ عَنِ الِانْتِشارِ ﴿والنَّهارَ مُبْصِرًا﴾ أيْ: بِإبْصارِ مَن يُلابِسُهُ، لِيَنْتَشِرُوا فِيهِ في مَعايِشِهِمْ بَعْدَ أنْ كانُوا ماتُوا المَوْتَةَ الصُّغْرى، وكَمْ [مِن] شَخْصٍ مِنهم باتَ سَوِيًّا لا قَلْبَةَ بِهِ فَماتَ، ولَوْ شِئْنا لَجَعَلْنا الكُلَّ كَذَلِكَ لَمْ يَقُمْ مِنهم أحَدٌ، وعَدَلَ عَنْ ”لِيُبْصِرُوا فِيهِ“ تَنْبِيهًا عَلى كَمالِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْإبْصارِ، وعَلى أنَّهُ لَيْسَ المَقْصُودُ كالسُّكُونِ، بَلْ [وسِيلَةُ المَقْصُودِ الَّذِي هو جَلْبُ المَنافِعِ]، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذِكْرُ السُّكُونَ أوَّلًا دَلِيلٌ عَلى الِانْتِشارِ [ثانِيًا، ] وذِكْرُ الإبْصارِ ثانِيًا دَلِيلٌ عَلى الإظْلامِ أوَّلًا، ثُمَّ عَظَّمَ هَذِهِ الآيَةَ حَثًّا عَلى تَأمُّلِ ما فِيها مِنَ القُدْرَةِ الهادِيَةِ إلى سَواءِ السَّبِيلِ فَقالَ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيْ: الحَشْرِ والنَّشْرِ الأصْغَرَيْنِ مَعَ آيَتَيِ اللَّيْلِ والنَّهارِ ﴿لآياتٍ﴾ أيْ: مُتَعَدِّدَةً، بَيِّنَةً عَلى التَّوْحِيدِ والبَعْثِ الآخَرِ والنُّبُوَّةِ، لِأنَّ [مَن] قَلَبَ المَلَوَيْنِ لِمَنافِعِ النّاسِ [الدُّنْيَوِيَّةِ]، أرْسَلَ الرُّسُلَ لِمَنافِعِهِمْ في الدّارَيْنِ. (p-٢٢١)ولَمّا كانَ مِن مَبانِي السُّورَةِ تَخْصِيصُ الهِدايَةِ بِالمُؤْمِنِينَ، خَصَّهم بِالآياتِ لِاخْتِصاصِهِمْ بِالِانْتِفاعِ بِها وإنْ كانَ الكُلُّ مُشْتَرِكِينَ في كَوْنِها دَلالَةً لَهم، فَقالَ: ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: قَضَيْتُ بِأنَّ إيمانَهم لا يَزالُ يَتَجَدَّدُ، فَهم كُلَّ يَوْمٍ في عُلُوٍّ وارْتِفاعٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب