الباحث القرآني

﴿فَلَمّا جاءَها﴾ أيْ: تِلْكَ الَّتِي ظَنَّها نارًا. ولَمّا كانَ البَيانُ بَعْدَ الإبْهامِ أعْظَمَ، لِما فِيهِ مِنَ التَّشْوِيقِ والتَّهْيِئَةِ لِلْفَهْمِ، بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ قَوْلُهُ: ﴿نُودِيَ﴾ أيْ: مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى. ولَمّا أبْهَمَ المُنادى فَتَشَوَّقَتِ النُّفُوسُ إلى بَيانِهِ، وكانَ البَيانُ بِالإشارَةِ أعْظَمَ لِما فِيهِ مِن تَوَجُّهِ النَّفْسِ إلى الِاسْتِدْلالِ، نَبَّهَ [سُبْحانَهُ] عَلَيْهِ بِجَعْلِ الكَلامِ عَلى طَرِيقَةِ كَلامِ القادِرِينَ، إعْلامًا بِأنَّهُ المَلِكُ الأعْلى فَقالَ بانِيًا لِلْمَفْعُولِ، [آتِيًا] بِأداةِ التَّفْسِيرِ، لِأنَّ النِّداءَ بِمَعْنى القَوْلِ: (p-١٣٢)﴿أنْ بُورِكَ﴾ أيْ: ثَبَتَ تَثْبِيتًا يَحْصُلُ مِنهُ مِنَ النَّماءِ والطَّهارَةِ وجَمِيعِ الخَيْراتِ ما لا يُوصَفُ ﴿مَن في النّارِ﴾ أيْ: بُقْعَتِها، أوْ طَلَبِها وهو طَلَبٌ بِمَعْنى الدُّعاءِ، والعِبارَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الشَّجَرَةَ كانَتْ كَبِيرَةً وأنَّها لَمّا دَنا مِنها بَعُدَتْ مِنهُ النّارُ إلى بَعْضِ جَوانِبِها [فَتَبِعَها، فَلَمّا تَوَسَّطَ الرُّدْحَةَ أحاطَ بِهِ النُّورُ]، وسُمِّيَ النُّورُ نارًا عَلى ما كانَ في ظَنِّ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، [وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَلْ كانَتْ نارًا كَما رَأى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ]، والنّارُ مِن حُجُبِ اللَّهِ كَما في الحَدِيثِ: «حِجابُهُ النّارُ لَوْ كَشَفَها لَأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجْهِهِ ما انْتَهى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِن خَلْقِهِ» ﴿ومَن حَوْلَها﴾ مِن جَمِيعِ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وتِلْكَ الأراضِي المُقَدَّسَةُ [عَلى ما أرادَ اللَّهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ وفي غَيْرِهِ] وحُقَّ لِتِلْكَ الأراضِي أنْ تَكُونَ كَذَلِكَ لِأنَّها مَبْعَثُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ ومَهْبِطُ الوَحْيِ عَلَيْهِمْ وكِفاتُهم أحْياءً وأمْواتًا. ولَمّا أتاهُ النِّداءُ -كَما ورَدَ- مِن جَمِيعِ الجِهاتِ، فَسَمِعَهُ بِجَمِيعِ الحَواسِّ، أمَرَ بِالتَّنْزِيهِ، تَحْقِيقًا لِأمْرٍ مِن أمْرِهِ سُبْحانَهُ، وتَثْبِيتًا لَهُ، فَقالَ عاطِفًا عَلى ما أرْشَدَ السِّياقُ إلى تَقْدِيرِهِ مِن مِثْلِ: فَأبْشِرْ بِهَذِهِ البُشْرى العَظِيمَةِ: ﴿وسُبْحانَ اللَّهِ﴾ أيْ: ونَزِّهِ المَلِكَ الَّذِي لَهُ الكَمالُ المُطْلَقُ تَنْزِيهًا (p-١٣٣)يَلِيقُ بِجَلالِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا مَعْطُوفًا عَلى ”بُورِكَ“ [أيْ: ] وتَنَزَّهَ اللَّهُ سُبْحانَهُ تَنَزُّهًا يَلِيقُ بِجَلالِهِ عَنْ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ النِّداءِ أوْ غَيْرِهِ مِنَ الأماكِنِ. ولَمّا كانَ تَعْلِيقُ ذَلِكَ بِالِاسْمِ العَلَمِ دالًّا عَلى أنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ ذاتِهِ المُسْتَجْمِعِ لِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ، مِنَ الجَلالِ والجَمالِ، وصَفَهُ بِما يُعْرَفُ أنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ أيْضًا لِأفْعالِهِ بِكُلِّ مَخْلُوقٍ الَّتِي مِنها ما يُرِيدُ أنْ يُرَبِّيَ بِهِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَبِيرًا بَعْدَ ما رَبّاهُ بِهِ صَغِيرًا، فَقالَ: ﴿رَبِّ العالَمِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب