الباحث القرآني

ولَمّا كانَ النَّبِيُّ ﷺ [قَدْ] بُعِثَ والكُفْرُ قَدْ عَمَّ الأرْضَ، وكانُوا قَدْ أكْثَرُوا في التَّكْذِيبِ بِالسّاعَةِ والقَطْعِ بِالإنْكارِ [لَها] بَعْضُهم صَرِيحًا، وبَعْضُهم لُزُومًا، لِضَلالِهِ عَنْ مِنهاجِ الرُّسُلِ وكانَ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْعالِمِ الحَكِيمِ أنْ لا يَقْطَعَ بِالشَّيْءِ إلّا بَعْدَ إحاطَةِ عِلْمِهِ بِهِ، قالَ مُتَهَكِّمًا بِهِمْ كَما تَقُولُ لِأجْهَلِ النّاسِ: ما أعْلَمَكَ! اسْتِهْزاءً بِهِ مُسْتَدْرِكًا لِنَفْيِ شُعُورِهِمْ بِها بَيانًا لِكَذِبِهِمْ بِاضْطِرابِ قَوْلِهِمْ: ﴿بَلِ ادّارَكَ﴾ أيْ: بَلَغَ وتَناهى ﴿عِلْمُهم في الآخِرَةِ﴾ أيْ: أمْرِها مُطْلَقًا: عِلْمُ وقْتِها ومِقْدارُ عَظَمَتِها في هو لَها وغَيْرِ ذَلِكَ مِن نَعْتِها لِقَطْعِهِمْ بِإنْكارِها وتَمالُؤُهم (p-٢٠٤)عَلَيْهِ، وتَنْوِيعُ العِباراتِ فِيهِ، وتَفْرِيعُ القَوْلِ في أمْرِهِ هَذا في قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وأبِي عَمْرٍو، وكَذا في قِراءَةِ الباقِينَ: ادّارَكَ بِمَعْنى تَدارَكَ يَعْنِي تَتابَعَ واسْتَحْكَمَ. ولَمّا كانُوا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِالقَطْعِ في إنْكارِها كاذِبِينَ في قَطْعِهِمْ، مُرْتَبِكِينَ في جَهْلِهِمْ، وقَدْ يُعَبِّرُونَ - دَلِيلًا عَلى أنَّهُ لا عِلْمَ مِن ذَلِكَ عِنْدَهم - بِالشَّكِّ، قالَ تَعالى: ﴿بَلْ هم في شَكٍّ﴾ ولَمّا كانَتْ لِشِدَّةِ ظُهُورِها لِقُوَّةِ أدِلَّتِها كَأنَّها مَوْجُودَةٌ، عَبَّرَ بِمَن، أيْ: مُبْتَدِئٌ ﴿مِنها﴾ ولَمّا [كانُوا يَجْزِمُونَ بِنَفْيِها تارَةً ويَتَرَدَّدُونَ أُخْرى]، كانَتْ حَقِيقَةُ حالِ مَن يُنْكِرُ الشَّيْءَ تارَةً عَلى سَبِيلِ القَطْعِ وأُخْرى وجْهُ الشَّكِّ الوَصْفُ بِالجَهْلِ البالِغِ بِهِ قالَ: ﴿بَلْ هُمْ﴾ [ولَمّا كانَ الإنْسانُ مَطْبُوعًا عَلى نَقائِصَ مُوجِبَةٍ لِطُغْيانِهِ، ومُبالَغَتِهِ في العُلُوِّ في جَمِيعِ شَأْنِهِ، ولا يُوهِنُ تِلْكَ النَّقائِصَ مِنهُ إلّا الخَوْفُ مِن عَرْضِهِ عَلى دِيانِهِ، المُوجِبِ لِجَهْلِهِ. وتَمادِيهِ عَلى قَبِيحِ فِعْلِهِ، فَقالَ مُقَدِّمًا لِلْجارِّ]: ﴿مِنها عَمُونَ﴾ أيْ: ابْتَدَأ عَماهُمُ البالِغُ [الثّابِتُ] مِنِ اضْطِرابِهِمْ في أمْرِها، فَضَّلُوا فَأعْماهم ضَلالُهم عَنْ جَمِيعِ ما يَنْفَعُهم، فَصارُوا لا يَنْتَفِعُونَ بِعُقُولِهِمْ، بَلِ انْعَكَسَ نَفْعُها ضُرًّا، وخَيْرُها [شَرًّا]، ونَسَبَ ما ذَكَرَ لِجَمِيعِ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ، لِأنَّ فِعْلَ البَعْضِ قَدْ يُسْنَدُ إلى الكُلِّ لِغَرَضٍ، وهو هُنا التَّنْبِيهُ عَلى عَظَمَةِ هَذا الأمْرِ، وتَناهِي وصْفِهِ، وأنَّهُ (p-٢٠٥)يَجِبُ عَلى الكُلِّ الِاعْتِناءُ بِهِ، والوُقُوفُ عَلى حَقِّهِ، والتَّناهِي عَنْ باطِلِهِ، [أوْ لِشَكِّ البَعْضِ وسُكُوتِ الباقِي لِقَصْدِ تَهْوِيلِهِ، أوْ أنَّ إدْراكَ العِلْمِ مِن حَيْثُ التَّهْوِيلُ بِقِيامِ الأدِلَّةِ الَّتِي هي أوْضَحُ مِنَ الشَّمْسِ، فَهم بِها في قُوَّةِ مَن أدْرَكَ عِلْمَهُ بِالشَّيْءِ، وهو مُعْرِضٌ عَنْهُ، فَقَدْ فَوَّتَ عَلى نَفْسِهِ مِنَ الخَيْرِ ما لا يَدْرِي كُنْهَهُ، ثُمَّ نَزَلَ دَرَجَةً أُخْرى بِالشَّكِّ ثُمَّ أهْلَكَها بِالكُلِّيَّةِ، وأنْزَلَها العَمى عَنْ رُتْبَةِ البَهائِمِ الَّتِي لا هَمَّ لَها إلّا لَذَّةُ البَطْنِ والفَرْجِ، وهَذا كَمَن يَسْمَعُ بِاخْتِلافِ المَذاهِبِ وتَضْلِيلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَيُضَلِّلُ بَعْضَهم مِن غَيْرِ نَظَرٍ في قَوْلِهِ فَيَصِيرُ خابِطًا خَبْطَ عَشْواءَ، ويَكُونُ أمْرُهُ عَلى خَصْمِهِ هَيِّنًا] أوِ الشَّكِّ لِأجْلِ أنَّ أعْمالَهم أعْمالُ الشّاكِّ، أوْ أنَّهم لِعَدَمِ عِلْمِ الوَقْتِ بِعَيْنِهِ كَأنَّهم في شَكٍّ بَلْ عَمًى، ولِأنَّ العُقُولَ والعُلُومَ لا تَسْتَقِلُّ بِإدْراكِ شَيْءٍ مِن أمْرِها، وإنَّما يُؤْخَذُ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ بِواسِطَةِ رُسُلِهِ مِنَ المَلِكِ والبَشَرِ، ومَن أخَذَ شَيْئًا مِن عِلْمِها عَنْ غَيْرِهِمْ [ضَلَّ].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب