الباحث القرآني

ولَمّا تَمَّ بِهَذِهِ القِصَصِ اسْتِنْتاجُ ما أرادَ سُبْحانَهُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلى حِكْمَتِهِ وعِلْمِهِ ومُبايَنَتِهِ لِلْأصْنامِ في قُدْرَتِهِ وحِلْمِهِ، أمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِأنْ يَحْمَدَهُ شُكْرًا عَلى ما عَلِمَ ويُقْرِرُّهم بِعَجْزِ أصْنامِهِمْ رَدًّا لَهم عَنِ الجَهْلِ بِأوْضَحِ طَرِيقٍ وأقْرَبِ مُتَناوَلٍ فَقالَ: ﴿قُلِ﴾ ما أنْتَجَهُ ما تَقَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ، وهو ﴿الحَمْدُ﴾ أيْ: الإحاطَةُ بِأوْصافِ الكَمالِ ﴿لِلَّهِ﴾ أيْ: مُخْتَصٌّ بِالمُسْتَجْمِعِ لِلْأسْماءِ الحُسْنى، والصِّفاتِ العُلى عِنْدَ الإعْدامِ كَما كانَ عِنْدَ الإيجادِ ﴿وسَلامٌ﴾ أيْ: سَلامَةٌ وعافِيَةٌ وبَقاءٌ في هَذا الحِينِ وكُلِّ حِينٍ، كَما كانَ قَبْلَ هَذا في غابِرِ السِّنِينَ، وأشارَ بِأنَّهُ لا وُصُولَ لِلْعَطَبِ إلَيْهِمْ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ في قَوْلِهِ: ﴿عَلى﴾ وأشارَ إلى شَرَفِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿عِبادِهِ﴾ بِإضافَتِهِمْ إلَيْهِ؛ وأكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ اصْطَفى﴾ أيْ: في كُلِّ عَصْرٍ وحِينٍ كَما أنَّ الحَمْدَ لِمَعْبُودِهِمْ أزَلًا وأبَدًا لا بِذَيْنِ، وعَطَبٌ وغَضَبٌ عَلى مَن عَصى، وخالَفَ الرُّسُلَ وأبى كَما تَرى في أصْحابِ هَذِهِ الأنْباءِ، والمَعْنى أنَّ هَذا الحُكْمَ المُسْتَمِرَّ بِنَجاةِ الرُّسُلِ وأتْباعِهِمْ، وهَلاكِ الكافِرِينَ وأشْياعِهِمْ، دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلى أنَّ الإحاطَةَ لِلَّهِ في كُلِّ أمْرٍ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: وكانَ هَذا صَدْرَ خُطْبَةٍ لِما (p-١٨٥)يُلْقى مِنَ البَراهِينِ الدّالَّةِ عَلى الوَحْدانِيَّةِ والعِلْمِ والقُدْرَةِ، ومِمّا يَتَنَبَّهُ لَهُ أنَّهُ لَمْ يَرِدْ في قِصَّةِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ أكْثَرُ مِن نَهْيِهِ لَهم عَنْ هَذِهِ الفاحِشَةِ، فَلا يَخْلُو حالُهم مِن أمْرَيْنِ: إمّا أنَّهم كانُوا لا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ تَعالى شَيْئًا، ولَكِنَّهم لَمّا ابْتَكَرُوا هَذِهِ المُعْضِلَةَ وجاهَرُوا بِها مُصِرِّينَ عَلَيْها، أُخِذُوا بِالعَذابِ لِذَلِكَ ولِكُفْرِهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهم، كَما صَرَّحَتْ بِهِ آيَةُ الشُّعَراءِ، وإمّا أنَّهم كانُوا مُشْرِكِينَ، ولَكِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا رَآهم قَدْ سَفُلُوا إلى رُتْبَةِ البَهِيمِيَّةِ، رَتَّبَ دُعاءَهم مِنها إلى رُتْبَةِ الإنْسانِيَّةِ، ثُمَّ إلى رُتْبَةِ الوَحْدانِيَّةِ، ويَدُلُّ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ الثّانِي قَوْلُهُ مُشِيرًا إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى أهْلَكَهم وجَمِيعَ مَن كَفَرَ مِن قَبْلِهِمْ، ولَمْ تُغْنِ عَنْهم مَعْبُوداتُهم شَيْئًا، بِقَوْلِهِ: ﴿آللَّهُ﴾ أيْ: الَّذِي لَهُ الجَلالُ والإكْرامُ ﴿خَيْرٌ﴾ أيْ: لِعِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفاهم فَأنْجاهم ﴿أمّا يُشْرِكُونَ﴾ يا مَعاشِرَ العَرَبِ مِنَ الأصْنامِ وغَيْرِها لِعابِدِيها ومُحِبِّيها فَإنَّهم لا يُغْنُونَ عَنْكم شَيْئًا كَما لَمْ يُغْنُوا عَمَّنْ عَبَدَهم مِن هَؤُلاءِ الَّذِينَ أهْلَكْناهم شَيْئًا، ولا تَفْزَعُونَ عِنْدَ شَدائِدِهِمْ إلّا إلى اللَّهِ وحْدَهُ، هَذا عَلى قِراءَةِ الخِطابِ لِلْجَماعَةِ، والتَّقْدِيرُ عَلى قِراءَةِ الغَيْبِ لِلْبَصْرِيِّينَ وعاصِمٍ: أمّا يُشْرِكُ الكُفّارُ عامَّةً قَدِيمًا وحَدِيثًا لِمَن أشْرَكُوا بِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلى نَفْعِهِمْ عِنْدَ إحْلالِ البَأْسِ بِهِمْ، وأفْعَلُ (p-١٨٦)التَّفْضِيلِ لِإلْزامِ الخَصْمِ والتَّنْبِيهِ عَلى ظُهُورِ خَطائِهِ المُفْرِطِ، وجَهْلِهِ المُوَرِّطِ إلى حَدٍّ لا يَحْتاجُ فِيهِ إلى كَشْفٍ لِأعْلى بابِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب