الباحث القرآني

ولَمّا كانَ كُلٌّ مِنهُما عَلَيْهِما السَّلامُ قَدْ أُوتِيَ ما ذَكَرَ، أشارَ إلى فَضْلِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنَّهُ جَمَعَ إلى ما آتاهُ ما كانَ مَنَحَ بِهِ أباهُ فَقالَ: ﴿ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ﴾ أيْ: أباهُ عَلَيْهِما السَّلامُ دُونَ إخْوَتِهِ في النُّبُوَّةِ والعِلْمِ والمُلْكِ الَّذِي كانَ قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ دُونَ قَوْمِهِ بِجَمْعِهِ لَهُ إلى النُّبُوَّةِ، فَشَكَرَ اللَّهَ عَلى ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ أوَّلًا وثانِيًا ﴿وقالَ﴾ أيْ: سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُحَدِّثًا بِنِعْمَةِ رَبِّهِ ومُنَبِّهًا عَلى ما شَرَّفَهُ اللَّهُ بِهِ، لِيَكُونَ أجْدَرَ في قَبُولِ النّاسِ ما يَدْعُوهم إلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ: ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ (p-١٤٠)ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا مُعَلِّمَ لَهُ إلّا اللَّهُ، فَإنَّ لا يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ غَيْرُهُ، قالَ بانِيًا لِلْمَفْعُولِ: ﴿عُلِّمْنا﴾ أيْ: أنا وأبِي [بِأيْسَرِ أمْرٍ وأسْهَلِهِ مِمَّنْ لا يَقْدِرُ عَلى ما عَلِمْنا سَواءً ولَوْ كانَ المَقْصُودُ هو وحْدَهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ التَّعاظُمِ في شَيْءٍ، بَلْ هو كَلامُ الواحِدِ المُطاعِ، تَنْبِيهًا عَلى تَعْظِيمِ اللَّهِ بِما عَظَّمَهُ بِهِ مِمّا يَخْتَصُّ بِالقُدْرَةِ عَلَيْهِ أوْ بِالأمْرِ بِهِ كَما «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْعَلُ إذا كانَ هُناكَ حالٌ يُحْوِجُ إلَيْهِ كَما قالَ في الزَّكاةِ: إنّا آخِذُوها وشَطْرَ مالِهِ عَزْمَةً مِن عَزَماتِ رَبِّنا عَزَّ وجَلَّ،» وكَما كانَ يَكْتُبُ لِبَعْضِ الجَبابِرَةِ] ﴿مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾ أيْ: فَهْمَ ما يُرِيدُ كُلُّ طائِرٍ إذا صَوَّتَ، والمَنطِقُ ما يُصَوَّتُ بِهِ مِنَ المُفْرَدِ والمُؤَلَّفِ المُفِيدِ وغَيْرِ المُفِيدِ، ولا بِدَعَ في أنَّ الَّذِي آتى كُلَّ نَفْسٍ هُداها وعَلَّمَها تَمْيِيزَ مَنافِعَها ومَضارِّها يُؤْتِيها قُوَّةً تُدْرِكُ بِها تَخاطُبًا بَيْنَها يَتَفاهَمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنها بِهِ فِيما يُرِيدُ، ويَكُونُ ذَلِكَ قاصِرًا عَنْ إدْراكِ الإنْسانِ لِخُصُوصِهِ بِالجُزْئِيّاتِ النّاشِئَةِ عَنِ الحِسِّيّاتِ ﴿وأُوتِينا﴾ مِمَّنْ لَهُ العَظَمَةُ بِأيْسَرِ أمْرٍ مِن أمْرِهِ ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ: يُكْمِلُ بِهِ ذَلِكَ مِن أسْبابِ المِلْكِ والنُّبُوَّةِ وغَيْرِهِما، وعَبَّرَ بِأداةِ الِاسْتِغْراقِ تَعْظِيمًا لِلنِّعْمَةِ كَما يُقالُ لِمَن يَكْثُرُ تَرَدُّدُ النّاسِ إلَيْهِ: فُلانٌ يَقْصِدُهُ كُلُّ أحَدٍ. (p-١٤١)ولَمّا كانَ هَذا أمْرًا باهِرًا، دَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ مُؤَكِّدًا بِأنْواعِ التَّأْكِيدِ وشاكِرًا حاثًّا لِنَفْسِهِ عَلى مَزِيدِ الشُّكْرِ وهازًّا لَها إلَيْهِ: ﴿إنَّ هَذا﴾ أيْ: الَّذِي أُوتِيناهُ ﴿لَهُوَ الفَضْلُ المُبِينُ﴾ أيْ: البَيِّنُ في نَفْسِهِ لِكُلِّ مَن يَنْظُرُهُ، المُوَضِّحُ لِعُلُوِّ قَدْرِ صاحِبِهِ ووَحْدانِيَّةٍ مُفِيضَةٍ مُؤْتِيَةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب