الباحث القرآني

ولَمّا دَلَّ أوَّلُ الكَلامِ وآخِرُهُ عَلى أنَّ التَّقْدِيرَ ما ذَكَرْتُهُ، وعُلِمَ مِنهُ أنَّ مَن ظَلَمَ خافَ، وكانَ المُرْسَلُونَ بَلِ الأنْبِياءُ مَعْصُومِينَ عَنْ صُدُورِ ظُلْمٍ، ولَكِنَّهم لِعُلُوِّ مَقامِهِمْ، وعَظِيمِ شَأْنِهِمْ، يُعَدُّ عَلَيْهِمْ خِلافُ الأوْلى، بَلْ بَعْضُ المُباحاتِ المُسْتَوِيَةِ، بَلْ أخَصُّ مِن ذَلِكَ، كَما قالُوا: ”حَسَناتُ الأبْرارِ سَيِّئاتُ المُقَرَّبِينَ“ اسْتَدْرَكَ سُبْحانَهُ مِن ذَلِكَ بِأداةِ الِاسْتِثْناءِ ما يُرَغِّبُ المُرْهَبِينَ مِن عَواقِبِ الظُّلْمِ آخِرَ تِلْكَ في التَّوْبَةِ، ويُنَبِّهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى غُفْرانِ وكْزَةِ القِبْطِيِّ لَهُ وأنَّهُ لا خَوْفَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وإنْ كانَ قَتْلُهُ مُباحًا لِكَوْنِهِ خَطَأً مَعَ أنَّهُ كافِرٌ، لَكِنَّ عُلُوَّ المَقامِ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَنِ الإقْدامِ إلّا بِإذْنٍ خاصٍّ، ولِذَلِكَ سَمّاهُ هو ظُلْمًا فَقالَ: ﴿رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي﴾ [القصص: ١٦] وهو مِنَ التَّعْرِيضاتِ الَّتِي يَلْطُفُ مَأْخَذُها (p-١٣٦)فَقالَ: ﴿إلا﴾ أوِ المَعْنى: لَكِنْ ﴿مَن ظَلَمَ﴾ كائِنًا مَن كانَ، بِفِعْلِ سُوءٍ ﴿ثُمَّ بَدَّلَ﴾ بِتَوْبَتِهِ ﴿حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ وهو الظُّلْمُ الَّذِي كانَ عَمِلَهُ، أيْ: جُعِلَ الحَسَنُ بَدَلَ السُّوءِ كالسَّحَرَةِ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِمُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَإنِّي أغْفِرُهُ لَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ كَأنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ أصْلًا، وأرْحَمُهُ بِما أُسْبِغُ عَلَيْهِ مِن مَلابِسِ الكَرامَةِ المُقارِنَةِ لِلْأمْنِ والعِزِّ وإنْ أصابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ نَوْعُ خَوْفٍ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأنَّ المَغْفِرَةَ والرَّحْمَةَ صِفَتانِ لَهُ ثابِتَتانِ، فَقالَ: ﴿فَإنِّي﴾ [أيْ: أرْحَمُهُ بِسَبَبِ أنِّي] ﴿غَفُورٌ﴾ أيْ: مِن شَأْنِي أنِّي أمْحُو الذُّنُوبَ مَحْوًا يُزِيلُ جَمِيعَ آثارِها ﴿رَحِيمٌ﴾ أُعامِلُ التّائِبَ مِنها مُعامَلَةَ الرّاحِمِ البَلِيغِ الرَّحْمَةِ بِما يَقْتَضِيهِ حالُهُ مِنَ الكَرامَةِ، فَأُزِيلُ أثَرَ ما كانَ وقَعَ فِيهِ مِن مُوجِبِ الخَوْفِ وهو الظُّلْمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب