الباحث القرآني

ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فافْعَلْ جَمِيعَ ما آمُرُكَ بِهِ فَإنَّهُ لا بُدَّ مِنهُ، ولا تَخَفْ مِن شَيْءٍ فَإنَّهُ لا يُوصَلُ إلَيْكَ بِسُوءٍ لِأنَّهُ مُتْقَنٌ بِقانُونِ الحِكْمَةِ، مَحْرُوسٌ بِسُورِ العِزَّةِ، دَلَّ عَلَيْهِ بِالعَطْفِ في قَوْلِهِ: ﴿وألْقِ عَصاكَ﴾ أيْ: لِتَعْلَمَ عِلْمًا شُهُودِيًّا عِزَّتِي وحِكْمَتِي -أوْ هو مَعْطُوفٌ عَلى ﴿أنْ بُورِكَ﴾ [النمل: ٨] - فَألْقاها كَما أُمِرَ، فَصارَتْ في الحالِ -بِما أذِنَتْ بِهِ الفاءُ- حَيَّةً عَظِيمَةً جِدًّا، هي -مَعَ كَوْنِها في غايَةِ العِظَمِ- في نِهايَةِ الخِفَّةِ والسُّرْعَةِ في اضْطِرابِها عِنْدَ مُحاوَلَتِها ما يُرِيدُ ﴿فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ﴾ أيْ: تَضْطَرِبُ [فِي تَحَرُّكِها] مَعَ كَوْنِها في غايَةِ الكِبَرِ ﴿كَأنَّها جانٌّ﴾ أيْ: حَيَّةٌ صَغِيرَةٌ في خِفَّتِها وسُرْعَتِها، ولا يُنافِي ذَلِكَ كِبَرَ جُثَّتِها ﴿ولّى﴾ أيْ: مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. ولَمّا كانَتْ عَلَيْهِ التَّوْلِيَةُ مُشْتَرِكَةً بَيْنَ مَعانٍ، بَيَّنَ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿مُدْبِرًا﴾ أيْ: التَفَتَ هارِبًا مِنها مُسْرِعًا جِدًّا لِقَوْلِهِ: ﴿ولَمْ يُعَقِّبْ﴾ أيْ: لَمْ يَرْجِعْ عَلى عَقِبِهِ، ولَمْ يَتَرَدَّدْ في الجِدِّ في الهَرَبِ، ولَمْ يَلْتَفِتْ إلى ما وراءَهُ بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ، يُقالُ: عَقَّبَ عَلَيْهِ تَعْقِيبًا، أيْ: كَرَّ، وعَقَّبَ في الأمْرِ تَعْقِيبًا: تَرَدَّدَ في طَلَبِهِ مُجِدًّا هَذا في تَرْتِيبِ المُحْكَمِ، وفي القامُوسِ: التَّعْقِيبُ: (p-١٣٥)الِالتِفاتُ. وقالَ القَزّازُ في دِيوانِهِ: عَقَّبَ إذا انْصَرَفَ راجِعًا فَهو مُعَقِّبٌ. ولَمّا تَشَوَّفَتِ النَّفْسُ إلى ما قِيلَ لَهُ عِنْدَ هَذِهِ الحالَةِ، أُجِيبَتْ بِأنَّهُ قِيلَ لَهُ: ﴿يا مُوسى لا تَخَفْ﴾ ثُمَّ عَلَّلَ هَذا النَّهْيَ بِقَوْلِهِ، مُبَشِّرًا بِالأمْنِ والرِّسالَةِ: ﴿إنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ﴾ أيْ: [فِي] المَوْضِعِ الَّذِي هو مِن غَرائِبِ نَواقِضِ العاداتِ، وهي وقْتُ الوَحْيِ ومَكانُهُ ﴿المُرْسَلُونَ﴾ أيْ: لِأنَّهم مَعْصُومُونَ مِنَ الظُّلْمِ، ولا يَخافُ مِنَ المَلِكِ العَدْلِ إلّا ظالِمٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب