الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مَدارُ مادَّةِ ”شَرْذَمَ“ عَلى التَّقَطُّعِ، فَكانَ في التَّعْبِيرِ بِها إشارَةٌ إلى أنَّهم مَعَ القِلَّةِ مُتَفَرِّقُونَ لَيْسُوا عَلى قَلْبٍ واحِدٍ، وذَكَرَ أنَّ (p-٤٠)فِي اتِّباعِهِمْ شِفاءَ الغَلَلِ، أتْبَعَهُ ما يَنْفِي عَنِ المُتَقاعِدِ العِلَلَ، فَقالَ: ﴿وإنّا لَجَمِيعٌ﴾ أيْ: أنا وأنْتُمْ جَماعَةٌ واحِدَةٌ مُجْتَمِعُونَ بِإيالِهِ المَلِكِ عَلى قَلْبٍ واحِدٍ. ولَمّا أشارَ بِهَذا الخَبَرِ إلى ضِدِّ ما عَلَيْهِ بَنُو إسْرائِيلَ مَعَ قِلَّتِهِمْ مِمّا هو سَبَبٌ لِلْجُرْأةِ عَلَيْهِمْ، أخْبَرَ بِخَبَرٍ ثانٍ يَزِيدُ الجُرْأةَ عَلَيْهِمْ، وفي مُضادَّةٍ لِما أُشِيرَ إلَيْهِ بِـ ”قَلِيلُونَ“ مِنَ الِاسْتِضْعافِ فَقالَ: ﴿حاذِرُونَ﴾ أيْ: ونَحْنُ -مَعَ إجْماعِ قُلُوبِنا- مِن شَأْنِنا وطَبْعِنا الحَذَرُ، فَنَحْنُ لا نَزالُ عَلى أُهْبَةِ القِتالِ، ومُقارَعَةِ الأبْطالِ، لا عائِقَ لَنا عَنْهُ بِسِفْرٍ ولا بِغَيْرِهِ، أمّا مِن جِهَتِي فَبِإفاضَةِ الأمْوالِ عَلَيْكم، وإدْرارِ الأرْزاقِ فِيكم، ووَضْعِ الأشْياءِ في مَواضِعِها في الأرْضِ والرِّجالِ، وأمّا مِن جِهَتِكم فَبِاسْتِعْمالِ الأمانَةِ مِن طاعَةِ المَلِكِ في وضْعِ كُلِّ ما يُعْطِيكم في مَواضِعِهِ مِن إعْدادِ السِّلاحِ والمَراكِبِ والزّادِ، وجَمِيعِ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ المُحارِبُ، مَعَ ما لَكَمَ مِنَ العِزَّةِ والقُوَّةِ وشَماخَةِ الأُنُوفِ وعِظَمِ النُّفُوسِ مَعَ الجُرْأةِ والإقْدامِ والثَّباتِ في وقْفِ الحَقائِقِ، المَحْفُوظِ بِالعَقْلِ المَحُوطِ بِالجَزْمِ المانِعِ مِنِ اجْتِراءِ الأخْصامِ عَلَيْكم، ومَكْرِهِمْ لَدَيْكم، فَإنَّهُ يُحْكى أنَّهُ [كانَ] يَتَصَرَّفُ في خَراجِ مِصْرَ بِأنْ يُجَزِّئَهُ أرْبَعَةَ أجْزاءٍ: أحَدُها لِوُزَرائِهِ وكُتّابِهِ وجُنْدِهِ، (p-٤١)والثّانِي لِحَفْرِ الأنْهارِ وعَمَلِ الجُسُورِ، والثّالِثُ لَهُ ولِوَلَدِهِ، والرّابِعُ يُفَرَّقُ مِن مُدُنِ الكُوَرِ، فَإنْ لَحِقَهم ظَمَأٌ أوِ اسْتِبْحارٌ أوْ فَسادُ عِلَّةٍ أوْ مَوْتِ عَوامِلَ قَوّاهم بِهِ؛ ورُوِيَ أنَّهُ قَصَدَهُ قَوْمٌ فَقالُوا: نَحْتاجُ [إلى] أنْ نَحْفِرَ خَلِيجًا [لِنُعَمِّرَ] ضِياعَنا، فَأذِنَ في ذَلِكَ واسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عامِلًا فاسْتَكْثَرَ ما حَمَلَ مِن خَراجِ تِلْكَ النّاحِيَةِ إلى بَيْتِ المالِ، فَسَألَ [عَنْ مَبْلَغِ] ما أنْفَقُوهُ عَلى خَلِيجِهِمْ، فَإذا هو مِائَةُ ألْفِ دِينارٍ، فَأمَرَ بِحَمْلِها إلَيْهِمْ فامْتَنَعُوا مِن قَبُولِها، فَقالَ: اطْرَحُوها عَلَيْهِمْ، فَإنَّ المَلِكَ إذا اسْتَغْنى بِمالِ رَعِيَّتِهِ افْتَقَرَ وافْتَقَرُوا، وأنَّ الرَّعِيَّةَ إذا اسْتَغْنَتْ بِمالِ مَلِكِهِمُ اسْتَغْنى واسْتَغْنَوْا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب