الباحث القرآني

﴿أوْ يُلْقى﴾ أيْ مِن أيِّ مُلْقٍ كانَ. ولَمّا كانَ الإلْقاءُ دالًّا عَلى العُلُوِّ، عَدَلُوا عَنْ أداةِ الِاسْتِعْلاءِ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّعْبِيرُ بِها في هُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الإنْزالِ إلى حَرْفِ النِّهايَةِ فَقالُوا: ﴿إلَيْهِ﴾ أيْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تِلْكَ الحالَةُ ﴿كَنْـزٌ﴾ أيْ يُوجَدُ لَهُ هَذا الأمْرُ ويَتَجَدَّدُ لَهُ إلْقاؤُهُ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ ولا مَعْبُوءٍ بِهِ، بِرَفْعِهِ عَنْ مُماثَلَتِنا العامَّةَ مِن كُلِّ وجْهٍ، وأيْضًا التَّعْبِيرُ في هَذا والَّذِي بَعْدَهُ بِالمُضارِعِ أدَلُّ عَلى تَكالُبِهِمْ عَلى الدُّنْيا وأنَّها أكْبَرُ هَمِّهِمْ. ثُمَّ تَنَزَّلُوا (p-٣٤٥)أيْضًا في قَوْلِهِمْ: ﴿أوْ تَكُونُ لَهُ﴾ أيْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِمّا مَضى ﴿جَنَّةٌ﴾ أيْ بُسْتانٌ أوْ حَدِيقَةٌ كَما لِبَعْضِ أكابِرِنا ﴿يَأْكُلُ مِنها﴾ فَتُفَرِّغُهُ عَمّا يَتَعاطاهُ في بَعْضِ الأحايِينِ مِن طَلَبِ المَعاشِ، ويَكُونُ غِناهُ أعَزَّ لَهُ وأجْلِبَ لِلْخَواطِرِ إلَيْهِ، وأحَثَّ لِعُكُوفِ الأتْباعِ عَلَيْهِ، وأنْجَعَ فِيما يُرِيدُهُ - هَذا عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ، وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ بِالنُّونِ يَكُونُ المَعْنى: أنّا إذا أمْكَنّا مِنها، كانَ ذَلِكَ أجْلِبَ لَنا إلى اتِّباعِهِ، وما قالُوهُ كُلُّهُ فاسِدٌ إذْ لَمْ يَدَّعِ هو ﷺ ولا أحَدَ مِن أتْباعِهِ أنَّهُ هو ولا أحَدَ مِنَ الأنْبِياءِ قَبْلَهُ يُبايِنُ البَشَرَ، ولا أنَّ وصْفًا مِن أوْصافِ البَشَرِ الذّاتِيَّةِ يُنافِي النُّبُوَّةَ والرِّسالَةَ، وأمّا الِاسْتِكْثارُ مِنَ الدُّنْيا فَهو عائِقٌ في الأغْلَبِ عَنِ السَّفَرِ إلى دارِ الكَرامَةِ، ومَوْطِنِ السَّلامَةِ، وحامِلٌ عَلى التَّجَبُّرِ، ولا يَفْرَحُ بِهِ إلّا أدْنِياءُ الهِمَمِ، وخِفَّةِ ذاتِ اليَدِ لا تَقْدَحُ إلّا في ناقِصٍ يَسْألُ النّاسَ تَصْرِيحًا أوْ تَلْوِيحًا إرادَةً لِتَكْمِيلِ نَقْصِهِ بِالحُطامِ الفانِي، وقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ (p-٣٤٦)عَنْ ذَلِكَ بِما لَهُ مِن صِفاتِ الكَمالِ، والأخْلاقِ العَوالِ. ولَمّا كانُوا بِهَذا واضِعِينَ الكَلامَ في غَيْرِ مَواضِعِهِ، بَعِيدِينَ عَنْ وجْهِ الصَّوابِ، قالَ مُعَجِّبًا مِن أمْرِهِمْ: ﴿وقالَ الظّالِمُونَ﴾ فَأظْهَرَ الوَصْفَ المُوجِبَ لَهم ذَلِكَ: ﴿إنْ﴾ أيْ ما ﴿تَتَّبِعُونَ﴾ إنِ اتَّبَعْتُمْ ﴿إلا رَجُلا مَسْحُورًا﴾ أيْ يَتَكَلَّمُ بِما لا يُجْدِيهِ، فَحالُهُ لِذَلِكَ حالُ مَن غُلِبَ عَلى عَقْلِهِ بِالسِّحْرِ، أوْ ساحِرًا صارَ السِّحْرُ لَهُ طَبْعًا، فَهو يُفَرِّقُ بِما جاءَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِهِ ووَلَدِهِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وعَبَّرُوا بِصِيغَةِ المَفْعُولِ إشارَةً إلى هَذا، وهو أنَّهُ لِكَثْرَةِ ما يَقَعُ مِنهُ مِن ذَلِكَ - صارَ كَأنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهُ عَلى غَيْرِ اخْتِيارِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب